في جازان، وفي ظل عدم وجود أقسام للنساء في فروع البنوك، على المرأة التي تريد حفظ خصوصيتها أن تقطع ما يزيد على مائتي كيلومتر كي تستطيع الوصول للقسم النسائي في مقر البنك الرئيسي في مدينة جازان! ولأن الغالبية العظمى منهن لا تملك قيمة المواصلات؛ كونهن عاطلات عن العمل وأرامل ومطلقات، فلا سبيل أمامهن سوى الالتصاق بجدران وممرات الفروع الرجالية في المحافظات القريبة منهن، في ظل اكتظاظ شديد في صالات البنك وممراته، وقلة عدد مقاعد الجلوس؛ ليستمر الوقوف منذ الصباح الباكر وحتى يغلق البنك أبوابه في رحلة مرهقة وبائسة تبعث على الأسى والمرارة، والكثير منهن يعدن خائبات المسعى دون فتح حسابات يستطعن من خلالها تلقي إعانة حافز، لتستمر رحلة العناء ليوم آخر، وربما امتدت لشهور لاحقة! ولأن الحديث ذو شجون، فأحد المواطنين سرد لي قصته التي أختم بها، فيقول إنه اضطر لسحب مبلغ يفوق الخمسين ألف ريال من فرع أحد البنوك في “أحد المسارحة”، فأخبره الموظف أن المبلغ لايزال في الخزانة، وأن عليه الانتظار؛ لأن الدنيا “مهي طايرة”، وبعد انتظار ساعتين فوجئ أن المبلغ لايزال في الخزانة ولم يقم الموظف بتوفيره، ناصحاً العميل بالتحلي بمزيد من الصبر حتى يتسنى لهم نقل المبلغ من الخزانة للصندوق! وبعد شدٍّ وجذب تدخل المدير، وصادف ذلك قيام أحد العملاء بإيداع مبلغ يقل عن المبلغ المطلوب، فرأى المدير عقد صلح بدفع المال المودع لصاحبنا! ولم ينسَ إكمال الباقي بنقود من فئة خمسة وعشرة ريالات، لتنتهي العملية مع صلاة العصر!