نجتر أنفسنا كل يوم، نفس الأحزان، نفس الأحلام، ونفس الحماقات أيضاً. نعيش في «عزلة شعورية« تفقدنا معنى الزمن والحركة فحتى أكثر الناس اجتهادا في عمله تجده يعيش في ذات العزلة فعمله صار روتينا ميتا لا علاقة له بالزمن والحركة!. يسألك صديقك كم عمرك يافلان فيباغتك السؤال فالعمر لم يعد هاجسك لأن الوقت ذاته ليس من هواجسك الأصلية فتجيبه أربعة وعشرون عاما. تعود إلى الحلم الممل من جديد لا حقيقة حية، لاهدف مرجو التحقق، لا ملامح توحي بحيوية الحياة من حولك سوى قنوات وجوالات تتنافس بالضجيج كما يتنافس المجانين في عنابرهم بعلو صرخاتهم المجنونة. تشعر بقرف مفاجئ يسيل على روحك ببلادة فتهرب لمكعب الأشكال في دماغك، تقارن فلاناً بفلان وحياة بحياة فيزداد بداخلك الزحام والصور والاستنتاجات فتهرب للعالم الافتراضي تغرد وتقترح وتشتم و تبوح و تمارس «مصالتك» على كل العالم وحين تسمع طنين أذنيك تدرك أنك استهلكت قسطك اليومي من الهباء فتذهب لفراشك لتنام!. هذه المدن المتشبهة بالحضارة أصبحت مملة، تفقدنا هيئتنا الأصلية وتحولنا لمركبات مخلة بالعقل!. نحن في الحقيقة لا ينقصنا الاستكثار من أي شيء سوى الهدوء و البساطة وأن نمارس حقنا في استخدام حواسنا لما خلقت له!. نحن في هروبنا إلى الداخل النفسي نعدم كل حواسنا. يقول روسو في كتابه أحلام جوال منفرد :«مملكة النباتات ومملكة الحيوان أولى بصداقتنا من الورش والآلات، حين تطلق حواسك بينها ستكون فكرة العودة للتفكير في ذاتك فكرة مخيفة«. نحن في هذه الصحراء الجرداء نعيش بلا حواس، لاشيء لديه القدرة على سرقة حواسنا منا بحيث ينسينا التفكير في الحزن والعمل والخوف من الحياة و على الحياة!. هذا سبب ظاهر لحالة العمى التي تعيشها حواسنا فنحن كائنات نظرية وهمية محبوسة في صناديق الإسمنت تنتظر القيام بالمطلوب منها. عاطفيون بلا عاطفة و طيبون بلا واقع طيب، نتلعثم عند أول نظرة وننكسر بعد أول سقوط و ننتقم عند أول فرصة فأين المشكلة؟ المشكلة أننا لا نعيش حياة طبيعية. تم تلويث نياتنا منذ الصغر ثم حنطنا في مجتمع أجرد و طبيعة جرداء وفجأة يعود صاحبك ليسألك كم عمرك؟ فتجيبه أربعون! كيف ومتى؟ لا أحد يدري!.