مثيرة للإعجاب والإكبار تلك السيدة التي نقل مراسل عكاظ توجيهها صفعة على الوجه لشاب إثر محاولته اعتراض طريقها ووضع رقم جواله داخل حقيبتها حين كانت تتسوق برفقة ابنتيها (4، 6 سنوات). وقد أخذ سروري بما صنعت السيدة يتصاعد مع تدرجي في قراءة الخبر الذي بدأ بالصفعة ثم أعقبها بسياقها المتضمن ملاحقة الشاب لها من محل لآخر في أحد المجمعات التجارية وإقدامه على الاقتراب منها محاولاً وضع ورقة صغيرة تحمل رقم جواله في حقيبتها. ويتكرر ذكر الصفعة من جديد في خاتمة الخبر بعد الابتداء بها في مستهله حين تباغته السيدة إثر ذلك بصفعتها القوية التي أسقطت عقاله على الأرض ليفر هارباً دون عقال وسط ضحكات المتسوقين. ولئن كانت الصفعة المدوية قد وقعت مني موقع الإشباع والرضا وأخذت أتأمل المسافة بين الخبر من دونها وبينه بها، فإن تعليقات القراء التي توالت على الخبر قد ضاعفت شعوري بالسرور. وذلك لأنها تذهب مذهب الاحتفال بالصفعة والتهليل لها وبث السيدة مشاعر الحفاوة والاحترام، وهي في الوقت نفسه ترفس ذلك الشاب وتزيده لطماً. وليس تداول التعليقات وتكرارها لصفات مدحية للسيدة من قبيل «بنت الأصول» و»بنت الرجال» و»بنت أبوها»… إلا تعبيراً عن الشعور بالانتماء إليها والرغبة في الانتساب إلى قوتها وإبائها! إن التحرش بالنساء مشكلة شائعة في العالم شرقه وغربه، ونسبته إحصائياً في بلدان إسلامية مثل مصر وأفغانستان وباكستان -مثلاً- تضاهي أو تقترب من درجاته في أستراليا والهند وإسبانيا والبرازيل، لكن الفارق هنا أنه لا يوجد بلد أكثر منا ادعاء للفضيلة وملحقاتها القيمية الاجتماعية! وأخشى أن أقول إن هذا الادعاء وما يلحَقُه هو السبب لدينا في تأخر صدور نظام صارم لمكافحة التحرش بأنواعه، وهو السبب -أيضاً- في اختفاء جزء من حالاته لأن ضحياته يتحولن في عرف الثقافة الاجتماعية بتبريرات غير معقولة إلى سبب فيه (مثل لوم المرأة على خروجها إلى السوق أو عدم اصطحابها من قبل الرجل!) فيلتمسن الستر عليهن ويتوقين الفضيحة! لقد ظلت لجنة الشؤون الاجتماعية في مجلس الشورى تدرس النظام المقترح لمكافحة التحرش بالنساء ثلاث سنوات قبل أن يرد إلى المجلس من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية نظام «الحماية من الإيذاء» الذي يعالج حالات العنف الأسري وعضل البنات والإساءة إلى الأطفال، فتم إدماج نظام مكافحة التحرش بنظام الحماية من الإيذاء بوصفه أشمل منه، وعند ذلك وافق عليه المجلس ورفعه إلى مجلس الوزراء في شهر فبراير 2012م. وإذا كان التأخر في الموافقة على مكافحة التحرش موضع سؤال واستنكار للمتابع، فإن إدماجه في مكافحة الإيذاء والموافقة عليه خير من عدمها، لكن هذا الإدماج ينزع عن التحرش دلالة العدوانية والجنائية التي يغدو إشهارها مخصصة ومستقلة بنظام عن غيرها من ضروب الإيذاء للمرأة أكثر تنبيهاً عليه وأقوى في الدلالة على الرغبة في حربه والإفساح للمرأة والحفاوة بها. وعلى رغم ذلك فمازلنا عملياً في انتظار إقراره وتنفيذه! إن صفعة تلك السيدة للشاب العابث ضرورة لن تجد أية امرأة أنجع منها في كف الأذى، وإنني لأشعر أن صفعتها تلك صفعة لنا جميعاً ولأولئك الضاحكين من فرار الشاب!