مضى ما يقارب خمس سنوات منذ أن صدر المرسوم الملكي لنظام القضاء السعودي الجديد الذي يحتوي على إنشاء محاكم تجارية. ولتفعيل هذا المرسوم أصدر مجلس القضاء الأعلى في جلسته السابعة قرارات بإنشاء ثلاث محاكم تجارية في كل من جدة والرياض والدمام، وإنشاء دوائر تجارية في المحاكم العامة في بقية مناطق المملكة. وأوعز القرار إلى وزارة العدل بتوفير ما يتطلبه عمل هذه المحاكم من مقرات وتجهيزات وتوفير الوظائف في هذه المحاكم والدوائر القضائية التجارية. وأصبحت الكرة في مرمى وزارة العدل، فهي المسؤولة عن تأخير إنشاء هذه المحاكم طوال هذه الفترة. وكان يفترض من المسؤولين في الوزارة أن ينفذوا هذا المرسوم الملكي بالسرعة التي كان يريدها خادم الحرمين الشريفين في مشروعه لتطوير القضاء، لاسيما وأنه (رعاه الله) أمر بتخصيص سبعة مليارات ريال لتطوير وتنفيذ نظام القضاء الجديد. إن التأخير في إنشاء المحاكم التجارية يكبد المستثمرين السعوديين خسائر فادحة بسبب تأخير البت في القضايا التجارية ويسبب أيضا في عدم وثوق المستثمر الأجنبي في القضاء التجاري السعودي بوضعه الحالي، مما يجعل كثيرا منهم يحجم عن الاستثمار في السوق السعودية خوفاً من التعامل مع المجهول عند الاحتياج إلى التقاضي. نظرا للمعوقات التي يواجهوها في التعامل مع المحاكم العامة وبعض اللجان المتخصصة في فض النزاعات التجارية وعدم توحيد هذه الإجراءات في جهة واحدة. أيضا توجد ملفات تجارية عالقة تنتظر وجود هذه المحاكم ولعل أكبر هذه الملفات هو ملف المساهمات المتعثرة في شركات توظيف الأموال التي ظلت معلقة لأكثر من عشر سنوات. حيث يعاني ما يقارب من 250 ألف مساهم في السعودية من عدم استرداد حقوقهم المالية البالغة مائة مليار ريال. وسبب تأخير البت في هذا الملف يعود إلى عدم وجود مرجعية واضحة لقضايا توظيف الأموال حيث إن بعض القضايا تم النظر إليها عبر لجان من وزارة الداخلية والبعض الآخر نظر إليها عبر المحاكم العامة وديوان المظالم وذلك لعدم وجود مرجع متخصص للنظر فيها. والمتابع لتصريحات وزارة العدل يجد أنها دائما تعتذر بأعذار واهية طوال السنين الماضية، فتارة يعتذرون بأن انطلاق المحاكم التجارية مرتبط بصدور نظام المرافعات الذي لم يقر بعد. وتارة بشح الأراضي المخصصة لبناء هذه المحاكم. إن وجود نظام تجاري واضح وشفاف ووجود محاكم تجارية تحمي هذا النظام يخلق بيئة تجارية صحية تشجع المستثمر السعودي باستثمار أمواله داخل البلد أفضل من استثمارها في الخارج مع وجود المخاطر العالية وأيضا يجعل المستثمرين الأجانب يتهافتون من كل أنحاء العالم. وهذا ما جعل ولاية صغيرة هي ولاية ديلاوير في أمريكا تستحوذ على أكثر من %60 من شركات الأسهم الأمريكية الكبرى وتفتح فروعها الرئيسية فيها. وذلك لوضوح القانون التجاري في هذه الولاية ولوجود محاكم تجارية ذات خبرة متراكمة. أخيرا نتمنى من وزارة العدل أن تستعجل في إنشاء المحاكم التجارية لتواكب سرعة التطوير التجاري والصناعي في المملكة. فليس من الحكمة أن تسير عجلة التطور التجاري والصناعي بسرعة وتبقى عجلة القضاء بطيئة.