منذ سنوات والأخبار السياسية هي وجبتنا اليومية السيئة في الشرق الأوسط، تلك البقعة المأزومة من العالم. لا مهرب فعلياً. ولأن شعوب العالم العربي تبحث في استقرارها وازدهارها، فإن الشعوب المستقرة أيضاً تبحث عن مقومات السعادة التي تراها متجسدة في أحلام منها ما يبدو عادياً طبيعياً لدى شعوب أخرى. بينما الغرب أيضاً يبحث عن السعادة في احتياجات مختلفة أو إنسانية مشتركة. هل ما زلنا نؤمن بأن السعادة نسبية شأنها شأن مفاهيم أخرى؟ بعيداً عن الجواب الذي سأتركه لكم، لا يبدو أن المؤسسات البحثية في العالم الغربي تتوقف عند هذه الرومانسيات كثيراً، فهي تبحث بشكل جاد فيما يجعل شعوب بلدانهم أسعد وأكثر قناعة ورضا. قد تتمثل السعادة لدى الخليجي -عامة- في استقرار سياسي وازدهار اقتصادي ووظيفة جيدة ودخل جيد ومسكن وصحة وتعليم وترفيه أو حتى إجازة خارج البلاد نهاية العام. وقد تبدو السعادة أو الرضا بشكل أكثر دراماتيكياً في نظر شعوب عربية أخرى تبحث عن الأساسيات هي الأخرى من خبز وحياة وعدل وكرامة، وقد أضافت أخيراً لقائمتها مفهوماً آخر هو الديمقراطية. هذا الذي يبدو مختصراً ويوضح حاجات الشعوب البسيطة الإنسانية لتشعر بالرضا والسعادة، ربما ترونه هنا معي في أقصوصة وضعها الكاتب المصري سمير الفيل على حائطه في فيسبوك قبل يوم من ثورة المصريين الأخيرة فيما سُمي ب»تمرد»: «في الميكروباص الذي حملنا من رأس البر إلى دمياط، كان هناك 12 راكباً يهجون الإخوان وواحد مدافع وواحد صامت. السائق كل شوية يوقف العربية ويقول: مش طالع غير لما تسكتوا. الصامت تكلم أخيراً مع آخر فرملة: يعني مش حاسس بالجرب اللي مسك جسمنا. كفاية يا أخي طوابير البنزين. بعد هذه الجملة صار العدد كالتالي: 13 يهاجمون الإخوان ومعهم السائق، وشخص واحد طأطأ رأسه، وقال قبل الكوبري المعدني بقليل: معاكم حق. ولم تكن له لحية. اللحية رأيتها بداخله..». أندهش من كثرة تقارير المؤسسات البحثية الغربية لكثرة اهتمامها بدراسات السعادة وإشباع حاجات الشعوب منها، ومحاولاتها سد الثغرات بتقديمها للحكومات لتتبناها وتطبقها. ومن بين ما تابعت مؤخراً تقرير على BBC يسأل: هل يمكن أن نكون أكثر سعادة؟ وذلك ضمن دراسات أجريت في جميع أنحاء العالم وجمعتها قاعدة البيانات العالمية للدراسات حول السعادة في روتردام بهولندا، يقول روت فينهوفين، مدير قاعدة البيانات والأستاذ المتخصص في الظروف الاجتماعية والدراسات بشأن السعادة البشرية في جامعة إيرازموس بروتردام: «على الرغم من أنه من المفترض بشكل عام أن تكون هناك أهداف تؤدي بالإنسان إلى حياة سعيدة، فإن الدلائل بشأن ذلك تظل مختلطة. ويبدو أن السبب وراء ذلك يكمن في أن الأشخاص التعساء يكونون أكثر إدراكاً لأهدافهم، لأنهم يسعون وراء إحداث تغيير في حياتهم إلى الأفضل». ومن بين محاولات البحث ودراسة مسببات السعادة وأسبابها في بلدان العالم، لفتتني بعض النقاط التي أتمنى أن تؤخذ في منطقتنا على محمل الجد. ومن بين ذلك، أن الرجال يشعرون بسعادة أكبر في المجتمع الذي تتمتع فيه النساء بمساحات أكبر من المساواة في حقوقهن. إلا أن العجيب على أي حال، قرأته مؤخراً عن بريطانيا، من قِبل معهد بحوث ودراسات بريطانية وجَّه تقريراً حازماً إلى الحكومة، وقد قال مدير المعهد مارك ليتلوود، إن «الحكومة -البريطانية- أظهرت أنها عاجزة وليست كفئاً في محاولاتها إدارة أساسيات الاقتصاد». وقد كانت انتقادات ليتلوود للحكومة البريطانية تتلخص مثلاً في تضخم الدين العام، وقال متسائلاً: كيف يمكن أن نثق في الحكومة في أمور خاصة ومعقدة ومربكة مثل السعادة الشخصية؟ وسواء وفقت في مساعيها أم أخفقت، فإن من المدهش والمثير للغبطة معاً أن الحكومة البريطانية نفسها تجتهد وتتجاوب بإخلاص، ومن أعلى المستويات، مع دراسات اجتماعية محلية بأهداف تنموية كهذه. وقد قال المتحدث باسم مجلس الوزراء البريطاني في سياق رده على نتائج التقرير هذا، إن «الأولوية القصوى للحكومة تحريك وتنشيط الاقتصاد، وتوفير فرص العمل، وفتح المجال أمام فرص أكثر، نحن أيضاً نريد أن نركز بشكل صحيح على نوعية الحياة التي يحياها الناس، إلى جانب العمل على تحقيق التنمية الاقتصادية، وأن معرفة ما يجعل الحياة أفضل وأحسن، والتحرك في ضوء تلك المعرفة، سيساعدنا على إيجاد أفضل السبل لإنجازها».