أخيراً قرر باراك أوباما تسليح المعارضة السورية في الصراع ضد نظام بشار الأسد. هذا الأمر يفرض البحث في الأسباب التي أدت إلى تغيّر الموقف الأمريكي، خصوصاً أنه ظهر توافق أمريكي روسي فيما يتعلق بصيغة الحل السياسي بعد أشهر من «الخلاف» إثر التوافق على وثيقة جنيف التي تتعلق بهذا الحل. وبالتالي لا بد من تلمّس الأثر الذي سيتركه هذا القرار على الحل السياسي. إذا كانت الإدارة الأمريكية لم تعلن موقفاً واضحاً بداية الثورة السورية، ومن ثم أخذت تلمح إلى «رحيل الأسد» بعد إذ، دون أن «تحسم» كما فعلت في تونس ومصر، فقد بات واضحاً بعد عام ونصف العام من الثورة أن الموقف الأمريكي يتلخص في ثلاثة عناصر أساسية، هي: 1) رفض التدخل العسكري بشكل مطلق. 2) رفض تسليح المعارضة المسلحة. 3) إن الحل في سوريا هو سياسي ويقوم على الحوار بين السلطة والمعارضة. وتبيّن أن هناك قرارات حاسمة بعدم التدخل العسكري وعدم التسليح. وتبيّن كذلك أن الاتحاد الأوروبي لديه القرارات ذاتها، حيث لا تدخل عسكرياً ولا تسليح. وكان كل ذلك يكذب كل ما كان يقال عن التحضير للتدخل العسكري، أو عن تسليح المعارضة المسلحة. وما كان يجري الاعتماد عليه للتأكيد بأن النظام في سوريا يتعرض لمؤامرة «إمبريالية»، وهو مهدد بتدخل الناتو. وأن السلاح يتدفق على المعارضة المسلحة من قبل هؤلاء. ولقد عملت فرنسا في مرحلة أولى على اتخاذ قرار معاكس من الاتحاد الأوروبي لكي «تتمكن من تسليح المعارضة» دون أن تفلح في ذلك. وحاولت بريطانيا بعد إذ، وفشلت في الحصول على دعم أوروبي لمسعاها. وكان يظهر دائماً أن أمريكا تضغط من أجل استمرار منع تسليح المعارضة، وكانت الحجة التي استخدمتها هي وجود «الجماعات المتطرفة» كجبهة النصرة التي تنتمي لتنظيم القاعدة. فالسلاح الذي سيرسل يمكن أن يصل إلى هذه الجماعات. ومنذ نهاية حزيران 2012 حيث جرى التوصل في «مجموعة العمل» الخاصة بسوريا إلى توافق على مبادئ الحل، وهو ما عرف بمبادئ جنيف. ورغم الخلاف الذي نشب بين أمريكا وروسيا حول مصير الأسد، فقد ظل المسار المتبع هو السير نحو تطبيق هذه المبادئ. وربما كان هذا الخلاف مفتعلاً حينها، من أجل إطالة أمد الصراع بعد أن أخذت السلطة بسياسة التدمير الشامل، وهو ما كان يؤدي إلى تطبيق «النظرية الأمريكية» التي تعني تدمير البنى المجتمعية كما فعلت أمريكا في العراق، لكن بيد السلطة ذاتها هذه المرة. ولهذا تمحور الخلاف حول هل يبقى بشار الأسد أو يتنحى، أو أن تنحي بشار الأسد هو شرط الوصول إلى حل أو أن السير في الحل هو الذي يمكن أن يقود إلى تنحيته؟ في الأخير قالت الإدارة الأمريكية بلسان جون كيري بعد أن أصبح وزيراً للخارجية، إن على المعارضة الحوار مع بشار الأسد. وبدأت عملية متسارعة من التحضير لعقد جنيف2 بعد أن ظهر أن توافقاً أمريكياً روسياً قد حصل، وأن كل طرف بات يعمل «على الأرض» من أجل تسهيل الوصول إلى الحل السياسي. وكان تسريع الخطى يشير إلى أن الأمر بات «منجزاً»، وأن الوضع بات يفرض عملية التسريع هذه. ولقد جرى تحديد مواعيد لعقد جنيف2، وطُلِب من كل من المعارضة والسلطة تسمية وفد كل منها. في هذه الأجواء بدأت معركة القصير، والإعلان الرسمي عن مشاركة حزب الله في المعارك، ومشاركة قوى من العراق (عصائب أهل الحق، التنظيم الذي مارس التطهير الطائفي في بغداد، وفرض على مقتدى الصدر طرده من صفوفه وهدر دم زعيمه)، وكتائب أبو الفضل العباس والحرس الثوري الإيراني. وميل السلطة اعتماداً على هذه القوى استرجاع مناطق أساسية فقدتها خلال الفترة الماضية، منها مدينة حلب، والغوطة الشرقية ودير الزور. وظهر أنها تميل إلى حسم الصراع عسكرياً بالقوى الجديدة التي باتت تستخدمها بعد أن فقدت قوتها الأساسية (الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والشبيحة)، ولم تعد تستطيع تحريك باقي فرق الجيش نتيجة الاحتقان العميق المتراكم لدى عناصره، الذي بات ينذر بانشقاقات كبيرة. هجوم السلطة لكسب مواقع حظي بتغطية روسية واضحة، الأمر الذي بدا وكأنه تخل عن التوافق الذي تحقق مع أمريكا. في هذا السياق يمكن وضع القرار الأمريكي بتسليح المعارضة، والعمل لكي تتبنى مجموعة «أصدقاء سوريا» الأمر، ويجري إرسال دفعة أولى كما قيل. هل في ذلك تحوّل كبير نحو الحسم العسكري لقوات المعارضة؟ أو مقدمة للتدخل العسكري كما يشيع بعض مناصري السلطة؟ ما تقرر في اجتماع الدوحة ل «أصدقاء سوريا» من تسليح للمعارضة هو «لاستعادة التوازن» فقط. ويؤكد فرانسوا هولاند بأن «الدعم المتعدد للمعارضة هدفه الضغط لعقد جنيف2». بالتالي لا يخفي هؤلاء السبب الذي دفع للانتقال من رفض التسليح إلى التسليح، وهم يربطونه بجنيف2. ولهذا لابد من رؤية الخطوة في سياق الحل السياسي وليس في سياق التحوّل نحو حل عسكري. فالأمر واضح، وهو أن القرار «الغربي» بات يقوم على دعم «الحل السياسي»، والروسي كما صيغ في جنيف1، ووفق الفهم الروسي. لكن محاولة الروس تحسين وضع السلطة في مؤتمر جنيف2، وتحقيق اختلال في ميزان القوى لمصلحة السلطة، هو الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ قرار تسليح المعارضة، لكي لا تسقط حلب والغوطة والدير، وليبقى ميزان القوى كما كان حين حصول التوافق مع روسيا. بالتالي فإن كل ما يجري لا يخرج عن «التحضير» للمؤتمر، وليس للانتقال من «الحل السياسي» إلى الحل العسكري. ويبدو أن روسيا طمعت بعد أن حصلت على دعم أمريكي فقررت تعديلاً جوهرياً في ميزان القوى فرض على أمريكا أن تحاول منع ذلك، لكي يبقى التوافق كما هو دون تعديل تفرضه وقائع عسكرية جديدة. فالدول «الغربية» حسمت أمرها بدعم «الحل الروسي».