نستخدم مفردة «طائفية» غالباً كشتيمة، فأغلبنا يمارسها، وبنفس الوقت يرفض أن يوصف (بالطائفي)، وإن نُعت بها فإنه يراها شتيمة دنيئة، ففي المعاجم لم ترد الكلمة حسب معناها الذي نتداوله، نحن الآن بمعنى قريب من (العنصرية)، في المعجم الوسيط (الطَّائفَةُ: الجماعةُ والفِرْقَةُ). وفي المعجم الرائد (جماعة من الناس يجمعهم مذهب ديني أو رأي واحد)، وفي القرآن الكريم ورد في سورة الحجرات (وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا). بعد هذه المقدمة التي أراها ضرورية أتساءل عن رواج هذه الكلمة بمعناها (الجديد) خاصة لدى النخبة، فانتماء الإنسان لطائفة سواء دينية أو فكرية أو غيرها هو أمر غريزي، ومن احتياجات الإنسان الطبيعية، غير الطبيعي هو تعصب الإنسان تعصباً مطلقاً لطائفته وإقصاء أي (آخر) من خارج الطائفة، وهذا (السوء) لا يحسب على الطائفة بل على العنصرية التي أُلحقت به، فالفعل القبيح مصدره التعصّب والتعنصر للطائفة، وليس الطائفة ذاتها. ولهذا أعتقد أن الخلط الحاصل بسبب أزمتنا المتكررة مع المصطلحات، وتحديداً مع ترجمتها، فتعريب الكلمات لدينا يأتي بطريقة عشوائية، وهذا سبق أن وقعنا فيه مع مصطلح (إرهاب) الذي ورد في القرآن بمعنى مختلف عن المعنى المتداول الآن، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)، وكما هو واضح في السياق فإن فالأمر الرباني يدعونا للعمل على إيجاد القوة التي تجعل العدو يشعر (بالرهبة) تجاهنا، ولو أخذنا كلمة إرهاب بمعناه العالمي المتداول لاعتبرنا كل دولة تهتم بجيوشها واقتصادها وصناعاتها هي دولة إرهابية، والسبب هنا بسبب الترجمة العاجلة والمتسرّعة للمصطلح! وأنا هُنا لا أجد حرجاً بالاعتراف بجهلي بأصل المصطلح بلغته الأصلية، فهو مصطلح مستورد خنّاه كثيراً بترجمتنا، أو بالأصح خنّا مفرداتنا التي جعلناها مقابلة له، وما كتابتي على هامش هذا الموضوع إلا رجاء لأساتذتنا المهتمين باللغة والترجمة للولوج في العمق، حيث أن ترجمة المصطلحات بالطريقة الحالية فيها إساءة للغتنا، بل أكثر من ذلك، فالقتل على الهوية والدين والفكر عمل مشين في جميع الديانات والثقافات، ولم نجد مرادفا لبشاعة الكلمة سوى اختيار كلمة (إرهاب) التي وردت بالقرآن تحثّنا على التقدم والنهوض بل وبنفس الوقت تحثّ على (السلام)، فالقوة التي دعت إليها الآية لغرض (الترهيب) فقط.