تعد الطائفية مصدراً صناعياً من الطائفة، ويعرف المعجم الفلسفي الطائفة بأنها جماعة مغلقة اجتماعيا أساسها الوراثة أو الولاء وتتميز من الطبقة بأنها تقوم عادة على أساس ديني وأنها أكثر انغلاقا. وقال الدكتور الدسوقي: الطائفية من الكلمات التي لها دلالة محدثة وهي تعني التعصب لطائفة معينة وإذا اتسع نطاقها في مجتمع ما فإنها تمزقه وتحول دون وحدته وقوته وأخطر مظاهر الطائفية يتجلى في التعصب المذهبي الفقهي بين المسلمين لأنه يحمل كل طائفة على الاعتقاد بأنها وحدها على الحق وأن سواها ليس في مستوى ما تؤمن به وتحامي عنه وتدعو إليه، وهذا التعصب المذهبي لم يعرفه سلف الأمة يعني القرون الثلاثة الأولى فقد كانت الروح العلمية السمحة تسود هذه الحياة لأن الاجتهاد كان السمة العامة في تلك القرون. وبعد أن تمكنت أصول المذاهب وتأصلت أركانها مع أن الأمة انقسمت إلى طوائف متعددة لم تكن ظاهرة الطائفية قد سادت وتحكمت في الحياة الفقهية وهو عصر ازدهار للفقه المذهبي وظهر أيضا الاجتهاد المقيد بالمذهب وليس بالمطلق. واعقبت عصر ازدهار الفقه المذهبي ظاهرة التقليد والتعصب المذهبي ومن ثم افتقدت عنصر الابتكار والإبداع . ولا ننسى أن الاحتلال الغربي كان له دور في ازدياد نشاط الطائفية لأن أهداف هذا الاحتلال تمزيق وحدة هذا العالم وإحياء نعرة الطائفية المقيتة المهلكة المميتة والله المستعان. وظهرت مقولة أجمع عليها تعقيد الفقهاء بأن باب الاجتهاد مسدود، فنقول لهم: «ما معنى أبواب الاجتهاد مسدودة؟ وبأي نص سد؟ وأي إمام قال: لا يصح من جاء بعدي أن يجتهد؟ ليتفقد في الدين وليستعين بالفتح المبين في هدي القرآن وصحيح الحديث والاستنتاج بالقياس على ما ينطق على العلوم العصرية وحاجات الزمن وأحكامه. إن فتح باب الاجتهاد يفتح الباب أمام قبول الآخر بل إن حرية الاجتهاد سوف تفتح الباب أمام تقريب وجهات النظر في المذاهب الإسلامية وبهذا تخمد الطائفية ويتبدد نشاطها الذي تجاوز إلى سفك الدماء الذي رأيناه في بعض المناطق الإسلامية والعربية وتستبدل بعبارات التنقص والازدراء التي نراها في القنوات الفضائية إلى تناغم وانسجام وإثراء. وأختم كلامي بمظهر واحد من مظاهر الطائفية: نقل الفخر الرازي عن أكبر شيوخه أنه قال: «قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء قرأت آيات كثيرة من كتاب الله في بعض مسائل وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات فلم يقبلوها ولو يلتفتوا إليها وبقوا ينظرون إلي كالمتعجب -يعني- كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سلفنا وردت على خلافها ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء ساريا في عروق الأكثرين من أهل الدنيا. ولم يقتصر الأمر على هذا الحد وإنما انتقل إلى مرحلة نقل الصراع من مرحلة (الخطأ والصواب) إلى مستوى (الكفر والإيمان). وعند استعراض عوامل جرأة التتار على مهاجمة المسلمين نجد أن النزاع بين الدولة الخوارزمية والخلافة العباسية يشكل عاملا مهما بالإضافة إلى دور الصراع المذهبي الرهيب وذلك عندما اختلف أهل أصفهان في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وهم طائفتان (حنفية وشافعية) وبينهم حروب مذهبية وعصبية ظاهرة، فخرج قوم من أصحاب الشافعي من أصفهان إلى من يجاورهم من ممالك التتار فقالوا لهم: اقصدوا هذا البلد حتى نسلمه إليكم فنزلوا على أصفهان سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وحاصروها. فاختلف سيفا الحنفية والشافعية في المدينة حتى قتل كثير منهم وفتحت المدينة فتحها الشافعية على عهد بينهم وبين التتار أن يقتلوا الحنفية ويعفوا عن الشافعية فلما دخلوا البلد بدأوا بالشافعية فقتلوهم قتلاً ذريعاً ولم يقفوا مع العهد الذي عهدوه لهم ثم قتلوا الحنفية ثم قتلوا سائر الناس وقتلوا الناس وشقوا بطون الحبالى ونهبوا الأموال وحرقوا أصفهان حتى صارت تلولا من الرماد) شرح نهج البلاغة لأبي الحديد، المجلد الثامن. وحسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.