تأخذني مشاهد الاحتجاجات المتكررة في الربيع الثائر إلى أن أعيد حساباتي الفكرية فيما ظننته ربيعاً ثورياً، تمنيته أن يكون استئصالياً لا مركزياً تنهض بعده الدول لتكون مختلفة عن ماضيها الأليم. لكن الثورة تحوَّلت فيها لغنيمةٍ تسارعت الأطراف لتقاسمها دون أن تلقي بالاً للأمعاء الخاوية التي ثارت. انتفاضة الجموع لم تكن اعتراضاً على بندٍ في الدستور أرادوا تعديله، وإنما كانت انتصاراً للقمة عيشٍ استشعروا زوالها. ومن هنا كانت البداية، بمطالب هدفت لأن يحيا الإنسان في بلده حياة كريمة، وأن يعمل ويتزوج. لم يكن هَمُّ الجموع الغاضبة دستوراً يكفل المساواة بين الرجل والمرأة، أو قوانين تتعلق بتطبيق الشريعة!، وإنما رغيف الخبز الذي استشعروا بروز سرابه، وخافوا ضياع ما يبقيهم أحياءً. حينها وبشكل لا إرادي وغير منظَّم خرج الناس للشارع، فألهبوا بعضهم. وقتها اقتنصت النخب السياسية الفرصة لتنتفع من الثورة الجارية، التي أقصت أنظمتها، لكنها «أي المعارضة» لم تكن مستعدة في واقع الحال لتلعب دور الحاكم، فاختلفت على بعضها وانقلبت. وبدلاً من أن تتكاتف، سعى كلٌ منها لحصد ثمارٍ زرعها الشعب المقهور. الديمقراطية والفقر ضدان يصعب التوفيق بينهما، أو الحكم في ظلهما، والأفواه الجائعة تطمح لأن يكون لها نصيب بسيط من الوجبات الثلاث يومياً، ومنزلٌ يسترها حتى لو كان كوخاً من الخشب أو بيتاً من صفيح!. لذا فالأجدى لمن تسلم السلطة أن يجعلها أولويته.