لم يكن مفهوما ما قاله عميد الأدب العربي طه حسين رحمه الله، حين زعم أن أدبنا أدب يأخذ من (البداوة) ما يتميز به بين الآداب العربية، خاصة أنه قال ذلك في مقدمته التي قرأ فيها شعر أحد شعرائنا الذين لا ينتمون للصحراء ولا البداوة، وهو الشاعرالراحل حسن عبدالله القرشي، وقال فيه (شاعر في طليعة المجودين، فيه من الروعة والتجويد، ما يبشر البيئات الأدبية العربية بأن مهد الشعر قد استأنف مشاركته في إغناء النفوس وإمتاع العقول والقلوب، ففي شعره ما يشوق ويروق، ويرضي طلاب الرصانة وعشاق الجمال).. تمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضا ويصدع قلبي أن يهب هبوبها إذا هبت الريح الشمال فإنما جواي بما تهدي إلي جنوبها لا أدري ما هي دلالة طه حسين على بداوة شعر القرشي خاصة أنه ربط بين شعراء الحجاز المعاصرين وشعراء العصر الجاهلي. ورد إلى الحجاز مجده الفني العظيم، ولعل طه حسين رأى (البداوة) في الجمر والهجر والغرس في صحراء قاحلة: كم غرست الهوى نديا وديعا فجنيت الأسى حصادا لغرسي وتقلبت نضو جمر وهجر أتهادى بين الخلائق بؤسي الشعرفي الحجاز، كما رآه طه حسين في ذلك الوقت، وبشهادة أستاذنا الناقد عبدالله عبدالجبار يمتاز بعاطفة قوية مشتعلة متأججة، وتبدو هذه العاطفة القوية في كثير من قصائد الشعر الحجازي الجاهلي. والشعر الحجازي الحديث، وفيه كثير من الخصائص الشعرية التي يتميز بها قديمه، وحديثه، كقول الشاعر طاهر زمخشري: قد أثار الشوق في قلبي لهيبا وهو يدعوك ويرجو أن تجيبا أترى أحيا بما في كبدي من حنين سال فانساب وجيبا أم ترى أنت على عهد الهوى فأمنّي النفس ألقاك قريبا مقولة العميد طه حسين رحمه الله، حول بداوة الأدب السعودي، كصفة تميزه عن غيره من الآداب العربية، حتى عن التي لها جذورها وأصولها في الصحراء والبادية، أثارت في وقتها، جدلا بين النقاد، خاصة الذين يعرفون خصائص أدب الجزيرة العربية وسماته. ن ذكر أن طه حسين أورد مقولته، في مقدمة مشهورة لقصائد حسن القرشي، وهو شاعر ينتمي للمجتمع الحضري ولم يكن بداويا، ولم تلفح وجهه شمس الصحاري، وليس في طبعه قسوتها كما عرفته، ولعل شاهد طه حسين في قراءته لشعر الشاعر القرشي هذه الأبيات: أريقي على مسمعي النداءْ ورَوّي حياتي رحيق الصفاء جمالك يا فتننةُ الملهمين أناشيدُ قد نغّمتها السماءْ ونجواك نبض فؤادي الحنون وروح النعيم وعطرُ المساءْ وأزعم أنه كان صادقا في قوله إن شعراء الحجاز المعاصرين، وصلوا قديمهم بالحديث وساروا على مجده الفني العظيم، في تجلياته دائما صفاء يسرع بها إلى تمازج الأرواح، تملأ القلوب إبداعا وسحرا، كقول القرشي: لا تدعي ثَغرَك في مَرشفِي أخشى على سُكره أن يَذوبْ لا تهمسي: أهواك ؟ إني هنا قيثارةٌ قد حَطمتها الخطوبْ وفي قوله: اتركيني ولا تُبالي بِدَمعي إن فيضَ الدموعِ أصفَى شَرَابي في هذا الشعر، حبٌ عذري وعواطفٌ متأججة، وعشقٌ يذوب في حنينه الشعراء.