أكدت رئيسة حزب حركة حق اليسارية هالة عبد الحليم أن المرأة السودانية مؤهلة لرئاسة الجمهورية ، إذا توافقت إمكانياتها العلمية ، وخبرتها السياسية مع تلك المناصب، وقالت رئيس حزب حق اليساري أنها انتخبت لرئاسة حزبها بالإجماع مشيرة إلى تغير نظرة الإسلاميين للمرأة في السودان، ومؤكدة أن الدين الإسلامي يدعو إلى الخير والعدل والمساواة والتعايش ولكن الإشكالية تنحصر فيمن يطبقون الدين بشكل خاطئ ويدعون حمل لوائه. ونفت عبد الحليم في حوار مع «الشرق» أي نية للقيام بمبادرة أوسع لمصالحة نظام البشير مع خصومه من الحركات المسلحة في أنحاء البلاد، وذلك بعد نجاحها في رأب الخلاف بين صفوف المعارضة بعقد مصالحة بين المهدي والترابي، قائلة «نحن ندعم مجهوداتنا لإسقاط نظام البشير لا تقويته»، وفيما يلي نص الحوار: - أنت رئيسة حزب عضو في تحالف المعارضة.. وطبيعة العمل السياسي أحيانا تتطلب ساعات طويلة و متأخرة من الليل، لا يتناقض ذلك مع طبيعتك كفتاة سودانية ؟ - المرأة في السودان أصبحت تعمل في كافة المجالات حتى على مستوى محلات الاتصالات والبيع والشراء بصورة عامة، وهذا الأمر طبيعي بالنسبة لي لأنه قبل أن أكون رئيسة حزب كان لدي بعض المهام التي تتطلب الوجود خارج المنزل لساعات طويلة، هذا بالإضافة إلي أن الحياة عندنا ومنذ العام 1989م تتوقف عند الساعة الحادية عشرة مساء وهذا بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء وكان ذلك منذ قدوم هذا النظام (نظام البشير). - بحكم أنك طرف صلح بين الترابي والمهدي هل حقا كان هناك تخطيط بين الطرفين لانقلاب عسكري ؟ - أنا أصلا لم أكن طرفا في الخلافات ولكن طرفا في الصلح ، وليس لدي أي معلومات. - قبول زعماء أشهر الأحزاب الإسلامية في السودان بمبادرة امرأة .. هل يمكن أن نعتبر هذه خطوة تقدمية في وسطية الإسلاميين ؟ - للدكتور حسن الترابي للصادق المهدي مقولات مشجعة عن المرأة، وقد أصبح رأيهم فيها أفضل خصوصا الترابي في الفترة الأخيرة، وقبولهم لهذه المبادرة يجب أن يفهم في إطار اعترافهم بدور الشباب ودور المرأة وفيه انفتاح على التغيرات والمواكبة التي طرأت على المجتمع السوداني وأنا اعتبرها رسالة منهم بأنهم متفهمون وواعون تماما لدور النساء في المجتمع وكل يلعب دوره . - يمر السودان بجملة من الأزمات ألا تسعين لعقد مصالحة أكبر بين البشير والحركات الدارفورية الرافضة لوثيقة الدوحة ؟ - نحن نقود مبادرات تدعم مجهوداتنا في إسقاط نظام البشير وليس في تقويته وهذا من الأولويات ، وليس لدينا أي مصلحة في مصالحة تمكن هذا النظام من الوجود ، نحن نعقد مصالحات في ظل إسقاط هذا النظام . - كيف يتعامل معك أعضاء الحزب والقيادات الأخرى ؟ - بحكم التنشئة والوجدان السوداني كانت هناك مشاكل لكوني امرأة، هناك من استطاع التخلص من هذه النظرة، والبعض لم يستطع - أعضاء حزب حق اليساري معظمهم رجال.. ألا تشعرين أحيانا بنظرة عدم الرضا عن كونك امرأة ؟ - لا أشعر بذلك مطلقا لأنني انتخبت لرئاسة الحزب في المؤتمر الأخير ، وكان ذلك بالإجماع . - هل المرأة السودانية مؤهلة لرئاسة الجمهورية ؟ - طبعا ، وهذا ليس رأي خاص بل رأي كل العالم المتحضر ، فالمرأة السودانية لا تقل كفاءة عن أي امرأة إذا تساوت معها في المؤهلات العلمية والخبرات العملية والسياسية ، فالمرأة وصلت أعلى المناصب حتى رئاسة الجمهورية ، ورئاسة المنظمات الدولية ، وتم المساواة بين الرجل والمرأة في المواثيق الدولية وفي مجال حقوق الإنسان ، ولا أعتقد أن هناك درجة من الاختلاف لصالح الرجل. - هل سيأتي يوم وتخوضين انتخابات الرئاسة ؟ - نعم ولست أول امرأة تخوض انتخابات الرئاسة ، فهناك نساء قبلي خضن انتخابات الرئاسة ، مثل فاطمة عبد المحمود، وهناك الكثير من دول العالم التي تحكمها نساء. - المرأة أقل عطاء من الرجل من الناحية البيولوجية.. أليس هناك أماكن معينة تتناسب مع الرجال خاصة القيادة وغيرها ؟ - هناك رجال أيضا لا يستطيعون العمل اذا كان الحديث من الناحية البيولوجية فقدرات الرجال البيولوجية أيضا تختلف ، فهناك رجال ضعفاء بحكم التكوين الجسماني وآخرون ضعفاء بسبب المرض ، فعلميا لم يثبت بأن هناك فرقا في الأداء البيولوجي للأعمال بين الرجال والنساء لأن هناك تجارب لنساء شرطيات وأخريات في حرس الحدود ، وكذلك في الجيش وأيضا في المناجم وبعضهن في ظروف عمل قاسية جدا هن يعملن ، هذا من ناحية ، من ناحية أخرى نحن نتحدث عن المبدأ من حيث إعطاء الحق نفسه فيجب أن تعطي حقها وبعد ذلك إذا عجزت نسبة لظرفها البيولوجي فهذا شيء آخر ، ولكن هناك فرق في عدم القدرة على الوصول لأهداف ذاتية ومن أن يحرم عليّ الوصول لهذه الأهداف عن طريق القوانين. - إذا انتخبت هالة عبد الحليم رئيسة جمهورية... كيف تحكمين السودان وفق دستور إسلامي أم وضعي (علماني ) ؟ - نحن لا نؤمن بأن هناك ما يسمي دستورا إسلاميا أو دستورا علمانيا ، والقوانين الإسلامية قوانين سمحة ، فالساسة أنفسهم هم الذين ابتدعوا هذه الأسماء وذلك لقهر شعبهم وإخضاعه باعتبار أنها قوانين منزلة من السماء لا يستطيعون تعديلها وأن الإيمان بها هو الإيمان بالله ، والعالم بعد تجربة عميقة ، توصل لمواثيق كثيرة لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والقانونية والقضائية وحق المواطنة ، فلا يمكن أن نغفل هذه التجربة الإنسانية العميقة على مستوى العالم وننحصر في أسماء ومسميات هي نفسها محل خلاف المسلمين أنفسهم. - في تقديرك الخاص أين يكمن القصور في الفكر الإسلامي .. أم في الذين يطبقونه ؟ - ليس هناك قصور في الفكر الإسلامي لأن كل مبادئه الأساسية تدعو إلى الرفاه والخير والحياة الإنسانية السوية وتدعو إلى القيم الجميلة من الإيمان والعدل والمساواة والتسامح ، وكل الأديان عندما جاءت .. جاءت للدعوة لهذه القيم الجميلة وكانت مقاصدها هذه الغايات النبيلة، ولكن الإنسان أساء استخدام هذه الغايات النبيلة، المشكلة ليست في الأديان بل فيمن يدعون بأنهم يحملون لواء الدين، فلا أحد يستطيع أن يتحدث باسم الدين. - المجتمع السوداني يرفض فكرة العلمانية لأن معظم السكان مسلمون وملتزمون بدينهم ؟ - نعم صحيح ، ولكن البيئة السودانية تتسم بعدم الوعي ، كما أن البنية الأساسية للمجتمع تعاني من الانهيار و»التخلف» ، حيث لا يوجد تعليم ولا صحة ولا مياه نظيفة لذا فهي بيئة متخلفة، وقطعا هذه البيئة المتخلفة لن تفرز مجتمعا واعيا، ويجب العمل على هذه البيئة، بغرض تحسينها على جميع المستويات وحتى على مستوى التنظيمات السياسية حتى أنا في حركة حق وليدة هذه البيئة، ونحن جئنا من داخل هذا المجتمع ، ونحمل كل أمراضه ومشاكله ، وذلك لأن الأحزاب نتاج لإفرازات بيئتها، لذا فالعمل السياسي صعب جدا، وللخروج من هذا النفق ونشر الوعي وتوسيع المفاهيم العقلية والفكرية نحتاج وقتا طويلا وجهدا مضنيا وقبل كل هذا لا بد من العمل على البنية التحتية قبل السياسية، ويجب على الجميع العمل على تحسين هذه البنية التحتية وبعد الوصول لهذه المرحلة كل يأتي بما يحمله من أفكار. - في تقديرك الخاص ... فكرة العلمانية هل سيكتب لها النجاح والقبول في بلد غسلامي محافظ مثل السودان ؟ - لا أستطيع أن أحكم على المستقبل وأجزم بالنجاح أو الفشل ولكن يمكن القول بأنها تحتاج إلى برامج عمل ، ويجب الفصل بين دين الشخص وبين وجوده في الدولة ، لأن الحقوق في الدولة تقوم على حق المواطنة وليس الدين ، وتكفل للشخص حرية ممارسة عقيدته وحتي العلمانية ليست ضد الدين ، والعلمانية تعطي الحق والحرية في ممارسة كافة الأديان والدولة العلمانية ملزمة بتوفير ممارسة الأديان بكافة شعائرها مع إتاحة الحرية الكاملة لذلك. - الإسلام دين الحرية لاحترامه الديانات الأخرى والإقرار بوجودها وحرية اعتناقها ... ما الداعي إذن للعلمانية وغيرها من الأفكار الوافدة والتي تتنافى مع طبيعة مجتمعنا ؟ - أولا يجب على الدولة أن تكون محايدة وكل شخص يمارس عقيدته بحرية كاملة ولا يجب فرض الرقابة عليهم بحكم أنك مسلم وأنك من تعطيهم حقوقهم لأن الإسلام كفل ذلك للإنسان. وفكرة العلمانية أنها لا تتبني عقيدة معينة بل تتيح لكل الناس الموجودين داخل هذه الدولة ممارسة أديانهم وحتى على مستوى رئيس الدولة ، أنه كمسلم يمارس شعائره الدينية كاملة. - ما هو سر التقارب بين اليساريين والإسلاميين في السودان؟ - التغير جرى من الطرفين فالتطورات التي حدثت في العالم ألقت بظلالها على الطرفين مما حدا بهما الاتجاه نحو دولة الحريات والديمقراطية ، لأنهما رجعا إلى أن حقيقة الدولة أصلا هي التي تقيم العدالة في الحقوق، ولا يوجد من يطرح برنامجا دون أن يتحدث فيه عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية وهناك توحد حول القيم والتفاسير والمعاني وحتي حول الآليات والوسائل في تحقيقها. وأنا ذكرت أن الإسلام ليس ضد العلمانية ونحن نقول يسار ويمين ولكن لا نقول علماني وإسلامي لأنهما ليس الضد ، ولكن الإسلاميين يحاولون إخراج هذا المصطلح بصورة ضدية بغرض مهاجمة من يتبني الفكر العلماني ، وهناك علمانيون يؤدون كافة الشعائر الإسلامية من حج وصوم وصلاة وهناك علمانيون مسيحيون وهناك يهود ، والعلمانية هي فكر وليست دين ، ولكن في السودان تصنف العلمانية بأنها ضد الإسلام. - هل تعتقدين بإمكان الإسلاميين واليساريين حكم البلاد معا ؟ - هذا شيء متروك للظروف ، وأنا شخصيا لا أعتقد أن مذهب الإقصاء سينجح ، والغايات النبيلة في السياسة يمكن الوصول إليها وذلك عبر طرق مختلفة فالبعض يرى ذلك عن طريق الإسلام ، والبعض الآخر يرى عن طريق الأفكار الأيديولوجية ، والطريق نحو هذه الأهداف يمر بمسارات مختلفة وهذا من طبيعة البشر ، وأي شخص يعتقد أن الوصول لهذه الأهداف والغايات يجب أن يمر بطريق واحد فهو مخطئ ، لأنه بذلك يناقض الطبيعية الكونية وطبيعة البشر.