أبدى الأمين العام لحزب الأمة القومي، الفريق صديق محمد إسماعيل في حواره مع «الشرق« تفاؤله بإصلاح نظام البشير، قائلا “أنا متفائل جدا ولكن بعض الناس يرجعون تفاؤلي لحجم تجربتي السياسية”. وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي إن التوافق الوطني سيحدث لا محالة، وأن التغيير المطلوب سيقع بإذن الله، وأضاف أن الشعب السوداني سيدهش العالم ويحدث تغييرا يسترد به عزته وكرامته وبفكر وطرح جديد. وحذر الفريق صديق من المواجهة المسلحة، وقال إنها تعصف ما تبقى من الوطن لذلك ينبغي أن نتجنبها، ولكن إذا اضطررنا لها فستكون. مشيراً إلى وجود ضرورة ملحة لإقامة دولة الوطن بدلا عن دولة الحزب. ودعا صديق إلى نظام جديد قائم علي المشاركة الجماعية دون عزل أو إقصاء، نافياً فشل المعارضة في حشد الشارع السودان خلفها، مرجعا ذلك إلى أنها لم تتخذ خطوات جادة، وكذلك عدم تجاوب الشارع مع دعوات المعارضة بالأداء المقنع من حكومة البشير، وقال إن حكومة البشير لم تكن مقنعة أصلا. واعترف بوجود هامش حريات بعد اتفاق نداء الوطن في جيبوتي الذي وقعه حزبه مع الوطني. واستبعد الفريق صديق ملائمة النهج العلماني مع واقع الحال في السودان، وقال إن أي حديث عن دولة مدنية تفصل الدين من حياة الشعوب لن يقوم في السودان أبدا. وفيما يلي نص الحوار: -يحتاج السودان إلي تقوية الصف الوطني.. فلماذا رفضتم الانضمام لحكومة القاعدة العريضة، رغم الظروف المحيطة بالبلاد والوطنية المشهودة لحزب الأمة القومي؟ – أولا أحب أن أرحب بإخواننا في صحيفة “الشرق” السعودية، ونشكرهم على متابعتهم للشأن السوداني، ونحن علي استعداد للتواصل مع كل فعاليات العمل الإعلامي لتوصيل الحقيقة للناس. نحن في حزب الأمة القومي ندرك تماما حجم المخاطر التي تحدق بالوطن ونعي حاجة الوطن لتقارب مكوناته السياسية، وتكاتف أبنائه، ونعلم أن العمل القومي الجماعي هو المخرج الحقيقي للأزمة الوطنية السودانية، ولذلك عندما قدمنا مبادرات، التي كانت آخرها مبادرة الأجندة الوطنية التي دارت حولها كل مكونات الساحة السياسية كنا نتطلع للوصول إلي توافق إلي أعلى درجة مما يؤدي إلي آلية مشتركة قومية لإدارة الشأن الوطني، ولكن تعثرت هذه الخطي وحالت بيننا وبين هذه الرغبة الكثير من العوامل التنظيمية داخل المؤتمر الوطني وتمسكنا نحن بالآلية القومية، والنقطة الجوهرية في الخلاف أن هناك ضرورة ملحة وعاجلة لضرورة الاجماع الوطني بإحداث تغيير في المؤسسات والسياسات تؤدي إلي إقامة دولة الوطن بدلا عن دولة الحزب الواحد. – هل هناك أمل لإيجاد هذا التوافق لاحقاً؟ – أعتقد أن هناك حراكاً كبيراً لعدد من الشخصيات السياسية داخل المؤتمر الوطني، تتوحد معهم رؤيانا لخير البلاد وبما ندعو إليه من حركات التغيير والإصلاح، ولكن بين هاتين المجموعتين تحوم بعض العناصر ذات الصوت العالي داخل الأحزاب، التي لم تستوعب ضروريات المرحلة والمخاطر التي تحيط بالبلاد، وتتسبب في تباعد خطوط الاختيار هنا وهناك، ولكن بدأت الأصوات داخل المؤتمر الوطني، وكذلك علي صعيد القوي السياسية الأخرى تدعو لعمل جماعي عبر ميثاق قومي نتفق عليه نابع من الأجندة الوطنية يؤدي إلي إحداث التغيير المطلوب وإلي نظام جديد قائم علي نظام المشاركة الجماعية دون عزل أو إقصاء ويعزز لمعاني عزل الأحزاب عن الدولة الوطنية. – دعوتم أكثر من مرة لإصلاح النظام.. هل ترى إمكانية إصلاحه؟ – أنا شخصيا متفائل جدا وبعض الناس أرجع تفاؤلي هذا نتيجة حجم تجربتي السياسية، ولكني أعتقد ومازلت في أن الأمل معقود في إحداث التغيير، والمؤتمر الوطني بيده زمام الأمر الآن، ويؤكد ويؤمن بحتمية التغيير، ولكن الخطوات والآليات التي تحدث هذا التغيير هي موضع الخلاف، وأنا مازلت أعتقد أن التوافق الوطني سيحدث لا محالة وأن التغيير المطلوب سيقع بإذن الله، ولكن هناك آليتين، آلية المواجهة، ونحن نتجنبها تماما ليس خوفا منها ومن آثارها علينا، ولكن حرصا علي أن يتمتع الشعب السوداني بما يتحقق من انتصار، ولكن إذا اضطررنا إلي ذلك فستكون المواجهة، ولكن سيحدث التغيير طال الزمن أو قصر. – لماذا فشلت المعارضة عدة مرات في حشد الشارع السوداني خلفها؟ – لا أعتقد أنها فشلت، ولكنها لم تتخذ خطوات جادة، والشارع السوداني يستطيع أن يلتف حول كل شعار جاد، وكل رغبة صادقة في تحويل تطلعاته وأمانيه، والأخوة في المعارضة الآن، محتاجين لهذا المعني وأعتقد أن الخط الذي ندعو إليه الآن هو التوافق حول أجندة وتوافق وطني، وميثاق يحدد معالم الطريق وآخر محطة نصل إليها هو البديل الذي يعزز الوحدة ويحقق السلام الشامل في السودان، وهذا الخط إذا تبنته كل القوي السياسية فنحن نستطيع عبر آلية الجهاز المدني الذي يبدأ من الحوار والمخاطبة المباشرة إلي المواجهة النهائية إذا تتطلب الأمر ذلك. – في تقديرك الخاص. . هل أطروحات المعارضة لا تلبي طموحات الجماهير... أم أن حكومة البشير مقنعة رغم الإخفاقات الظاهرة؟ – حكومة البشير لم تكن مقنعة أصلا، لأن الشعب السوداني يعشق الحرية وتشبع بالديمقراطية ومعانيها ويتطلع لإدارة شأنه، وأن يولي أمره لمن يريده، ولا يوالي لمن يفرض عليه، وهذه المعاني الشعب السوداني يتعطش لها، والصراع الذي يدور في جنوب دارفور الآن بين والي انتخب بإرادة جماهيره يعفي بموجب قانون الطوارئ، ثم بعد ذلك تتنافر الصراعات، كأنه صراع قبلي بين وزير من تلك القبيلة أو من قبيلة أخري، وكل هذه مؤشرات الإخفاق والفشل. – نحن سباقون في المنطقة بالقيام بثورتين (أكتوبر1970 وإبريل 1985). في تقديرك الخاص.. هل توصل الشعب السوداني لقناعة أن البديل القادم لن يكون أفضل من الحالي؟ – الشعب السوداني شعب معلم ومعطاء ومبتكر، لذلك فهو لا يري في الربيع العربي في مصر أو تونس وليبيا واليمن وسوريا شيئا جديدا له، فالشعب السوداني انتفض في نهاية القرن الثاني، وأزال حكم أكبر امبراطورية موجودة، وللشعب السوداني ثلاث تجارب في مواجهة التسلط والطغيان ومصادرة الحريات وانتهاك كرامته ولكنه سيقدم درسا، وأنا مازلت أعتقد أن الشعب السوداني سيدهش العالم ويحدث تغييرا يسترد به عزته وكرامته ولكن بآلية وبفكر وطرح لن تصل إليه قوي الشعوب من حولنا إلا بعد خمسين عاما إن شاء الله. – النظام الحالي رغم أن إخفافاته كثيرة، إلا أن هناك بعض الإنجازات.. هل تلك الإنجازات مقنعة للمواطن وحالت دون خروجه للشارع؟ – كما ذكرت أن المواطن السوداني حاجاته متعددة، والإنجازات في مجال الخدمات أمر آخر، ولكن إذا ذهبنا في مجال الاحتياجات الأخرى مثل الحرية والكرامة والمشاركة نجد أنه مخنوق الصوت، وحتي مذكرات المؤتمر الوطني الآن تؤمن علي أن هناك مجموعة تسيطر عليه بمعني أن هناك غيابا للرأي الآخر ومصادرة للحريات. وكل هذه الإنجازات تساوي صفرا علي الشمال إذا لم تشبع رغبة الشعب السوداني في إعطائه الحرية، وهذا متاح للمؤتمر الوطني لتكملة النقص الموجود وإحداث التغيير، فالإنجازات المادية ليست هي الكابح الحقيقي للثورات وللرغبة في التغيير مثلما الاستجابة لإرادة الشعب ومصادرة مشاعر الجماهير. -هامش الحرية الموجود الآن.. يشكل متنفسا وكان سببا في استمرار النظام رغم الفقر والبطالة والتردي الاقتصادي، من وجهة نظرك هل هذه الحرية سبب استمرار النظام؟ – نعم، أعترف بذلك، ومنذ اتفاقية جيبوتي هامش الحرية تحقق، ولكن يجب أن تكون الحرية كاملة، كما جاء في وثيقة الحقوق في الدستور فلماذا لا يعطي الشعب السوداني كل هذه الحقوق؟ وقد تصدي أحد الشباب من كوادر حزب البعث “محمد حسن عالم البوشي” للأخ الدكتور علي نافع في جامعة الخرطوم وتم اعتقاله ولم يطلق سراحه إلا حينما طلب الأخ نافع إطلاق سراحه بالأمس، وهذا دليل علي أن هناك أقوالا وأفعالا، وإذا لم تتطابق مع بعضها البعض فستظل هناك الحاجة لمزيد من الحرية. – لكن اعتقال البوشي لم يكن بسبب انتقاده للدكتور نافع... فالبوشي مسؤول تنظيمي لحزب البعث في جامعة النيلين ويدعو الناس للتظاهر، وأنت كنت في وزارة الداخلية...هل كنت تقبل بالشغب والفوضى وتجاوز القانون؟ – إذا كان كذلك ينبغي أن يفتح ضده بلاغ جنائي ويقدم للمحاكمة، وفي لقاء مع الأخ الدكتور نافع في إطار احتفالاتنا بالاستقلال وسألته عن البوشي أكد لي بأنه لا علاقة له بهذا الأمر، وطلبت منه التدخل لإطلاق سراح البوشي، وذلك ليؤكد أنه إذا اساء لنا الشعب السوداني فإن ذلك يندرج في إطار مسؤوليتنا وموقعنا وليس إساءات شخصية أو ما شابه ذلك، وأنا أعتقد أن الممارسة الحقيقية لو أن الأخ الدكتور نافع وجه وتابع لأن الأخ البوشي معتقل منذ فترة ولو كان اعتقاله بسبب أي جريمة جنائية يقدم لمحكمة جنائية، كما جاء قي تقرير الأمن ويجلد أو يسجن وتوقع عليه العقوبات الواردة في القانون، ونحن بذلك ننظم القانون ونؤكد ممارسة الحرية، وكان هناك هامش من الحرية بدا ضيقا ولكنه الآن اتسع ولكن مازال الشعب السوداني في حاجة إلي مزيد من الحرية عبر الآليات المتفق عليها وليس بوسائل توحي وتعطي انطباعا أن هناك ضيقا في إبداء الرأي الآخر. – هناك تسريبات حول قيام مجلس وطني انتقالي علي قرار التجربة الليبية. في تقديرك الخاص هل سيكتب النجاح لهذه التجربة... هل المناخ السياسي الحالي في السودان يشكل بيئة صالحة لإنجاح هذه التجربة.. أم أنهم مجموعات تبحث عن السلطة بأي شكل؟ – أنا شخصيا لا أسمح لنفسي ولا أرضي للآخرين أن يدمغوا كل ذي رأي ومشروع في إدارة الشأن الوطني، بأنه يبحث عن سلطة أو خلافه وهذه أحكام جائرة للآخرين، ولكن أعتقد أن تنظيم الناس في مؤسسة تعبر التعبير الحقيقي عن إرادتهم فهذا شيء مطلوب، وإذا تكون مجلس وطني علي قرار المجلس الليبي فما الآليات التي تتبع لبلوغ الغايات المطلوبة؟، إذا كانت الآليات هي المواجهة والمواجهة المسلحة فأنا أعتقد بأن هذا يعصف بما تبقي من الوطن، ونحن في السودان الآن لدينا إرث ثقيل جدا خلال العشرين سنة الماضية، وهو التسليح الجماعي والقبلي والصراع الطائفي، فاذا أصبح لكل جماعة مكتسبات وحقوق، ينبغي أن يحدث توافق للمناقشة في هذه المسألة يترتب أمر للجماعة حتي تديره هذه الجماعة. ولكن المواجهة لانتزاع هذه الحقوق وإعادة ترتيبها دون تراض هذا يؤدي إلي مزيد من المواجهات الداخلية وتمزيق الوطن. – قوي المعارضة بما فيها القوى الإسلامية “حزب الترابي” دعت لدستور علماني في حال تغيير النظام....في تقديرك الخاص هل العلمانية لها أرضية في السودان؟ – لقد ذكرت قبلا أن أي حديث يدعو إلي فصل الدين عن الدولة لا مكان له علي أرض الواقع في السودان، والحديث عن الدولة المدنية التي ينادي بها الناس ونحن أيضا ولكن لابد أن تكون بمرجعية إسلامية، ولذلك الحديث عن أي دولة علمانية فيها عزل للدين عن حياة الشعوب ليس له مكان في أرض السودان وسيواجه من الشعب السوداني صاحب الفطرة السليمة. سنواجه مخططات التقسيم بالارتقاء إلى مربع المسئولية الوطنية – أولا الجسم السوداني ليس مهترئا ولكنها حالة من الاحتقان، والذي يمكن أن يعالج بتوافق أهل السودان علي آلية لإدارة وطنهم قائم علي رأي الجماعة الذي لا يعزل أو يقصي أحدا ويؤسس للعدالة والمساواة والحرية ومراعاة حقوق الإنسان، وسوف يزال هذا الاحتقان. والإستراتيجية الأمريكية الموجهة ضد السودان ليست جديدة، وبدأت منذ العام 1997م تتحدث عن هذا المعني. تقسيم إفريقيا جنوب الصحراء وشمالها وتوزيع الدول وتفكيكها، وإعادة جمعها وهذا ليس مخططا إسرائيليا فقط، بل دولي لأن الدول حولنا تري في هذا الجسم الكبير المتماسك وهذه الأمة التي تجمع بينها كثيرا من القيم تشكل تهديدا لبقاء بعض الأنظمة حولنا. وناصر هؤلاء إقليميا ودوليا بعض الأفكار الداخلية المريضة من قبل أبنائنا الذين يتدخلون في الأمر دون وعي، الذين رفعوا شعارات المواجهة والمصادمة دون الإحاطة بالمخاطر التي تكمن وراء مثل هذا التصعيد، وهنالك وسائل أخري يمكن أن تعالج هذه القضايا ولكنهم يرفضوها مما يعزز تنفيذ مخططات خارجية بعضهم يحيط بها ويعي خطورتها تماما والبعض الآخر يقوم بها دون وعي، ونحن مسؤوليتنا أن نأخذ بيد هؤلاء ونرتقي بهم إلي مربع المسؤولية الوطنية التي تفضي إلي حماية وحدة الوطن وتماسكه، ولا أدعي تبرأ الحكومة والمعارضة من أمثال هؤلاء، ففي المعارضة من يعمل بوعي وفي الحكومة من يعملون بغير وعي وإلا لما انفصل الجنوب. الفريق صديق يتحدث للزميل المحرر «الشرق»