لم أكن في يوم من الأيام معجباً ب(حزب الله)، ولا بأمينه العام السيد حسن نصرالله، كما لم أكن –أبداً– مقتنعاً بشعارات الحزب في المقاومة وإزالة إسرائيل من الوجود، أو أنه حتى يشكِّل تهديداً حقيقياً لإسرائيل، تماماً مثلما لم أكن مقتنعاً بأن إيران وعلى كثرة تهديداتها لإسرائيل بأنها صادقة في دعواها أو أنها تشكِّل خطراً جبرياً على إسرائيل لا بصواريخها ولا بقنبلتها النووية التي تسعى لها بجهد محموم وتجوِّع شعبها! لقد كنت موقناً منذ البداية، بل منذ تأسيس الحزب في لبنان عام 1982 على يد الحرس الثوري الإيراني، أن الحزب ما هو إلا مجرد ذراع سياسية وعسكرية لإيران، فهو صناعة إيرانية ولكن بتجميع لبناني، وهدف إيران الأساس من إنشاء الحزب في لبنان هو الوجود السياسي والعسكري على شواطئ المتوسط لإزعاج إسرائيل ومساومة أمريكا على ملفها النووي، إضافة إلى أهداف أخرى منها: الهيمنة على شؤون لبنان، بحيث يكون للحزب القرار النهائي في أي أمر يتعلق بلبنان، وأيضاً: كامتداد للقوس الإيراني الذي يبدأ بطهران مروراً بالعراق فسوريا فلبنان ليكون أشبه بهلال إيراني يحيط بالجزيرة العربية من الشمال، بينما (الحوثيون) الفرع الآخر للامتداد الإيراني يحيطون بالجزيرة من الجنوب، في الوقت الذي تسعى فيه إيران بكل جهد وعبر إغراءات مالية كبيرة لاستمالة الإخوان الحاكمين في مصر لتوثيق العلاقات معها لتكمل معهم حلقة الوصل بين الشمال والجنوب، المحيطة بالجزيرة العربية! لم أصدق –يوماً– ادعاءات الحزب بأنه يدافع عن لبنان ضد العدوان الإسرائيلي، كما لم أصدقه في ادعاءاته بالانتصار على إسرائيل، لم أصدقه بأنه حرَّر الجنوب اللبناني وطرد إسرائيل وأجبرها على الانسحاب في مايو 2000، وتغنى بهذا النصر ليلاً ونهاراً وصدَّقه كثيرون ورأوا فيه أمنية (سيد المقاومة)، وقالوا فيه شعراً ونثراً، لأني مقتنع بأن إسرائيل انسحبت بشكل أحادي من الجنوب تنفيذاً للقرار الدولي 425، وذلك باعتراف لبنان نفسها والأمم المتحدة، وقد انسحبت إسرائيل من الجنوب وذلك لأسباب داخلية بحتة، فحزب الله لم يحرِّر الجنوب كما ادعى، وفرض على اللبنانيين الاحتفال رسمياً يوم 25 مايو سنوياً ب(عيد التحرير)، بل الذي حصل أنه احتل الجنوب ومنع الجيش اللبناني من الانتشار فيه، وهو لايزال يحتله، كما لم أصدق الحزب وأمينه في دعواه بأنه حقق نصراً (إلهياً)، على إسرائيل، صيف 2006، بل رأيت عمله (مغامرة) غير محسوبة، جرّت الخراب والدمار على لبنان وتسببت في تشريد مئات الألوف وسقوط أكثر من ألف قتيل وآلاف من الجرحى، إضافة إلى خسائر اقتصادية منظورة وغير منظورة بلغت (ثمانية) بلايين دولار من جراء شلّ حركتي السياحة والتجارة. ومع ذلك، فإن قطاعاً عريضاً من الجماهير العربية صدَّق ادعاءات الحزب وأمينه، وقامت وسائل إعلامية بترويج هذا النصر المزعوم وحذّرت من المساس بسلاح حزب الله وجعلته خطاً أحمر، واعتبرت من ينتقد الحزب عميلاً يخدم المصالح الإسرائيلية، ولكن السلاح المقدس استوعب الدرس القاسي مؤخراً واعترف (سيد المقاومة) بأنه لو كان يعلم أن مغامرته في خطف الجنديين ستجلب كل هذا الدمار، ما غامر! فماذا يفعل الحزب بسلاحه وهو لن يستطيع توجيهه مرة أخرى إلى إسرائيل؟! لقد انقلب سلاح المقاومة المقدس إلى الداخل اللبناني، موجَّهاً إلى صدور اللبنانيين بهدف تحقيق مكاسب سياسية ومزيد من النفوذ والتسلط، ولا ينسى اللبنانيون كيف عربد سلاح الحزب في الساحة اللبنانية واستباح بيروت والجبل وأسقط العشرات من القتلى والجرحى وقصف وأحرق مبنى تليفزيون المستقبل وصحيفته، وهكذا أصبح (سيد المقاومة) الحاكم بأمره في لبنان! لقد كانت هذه بدايات السقوط، وها هو اليوم (السلاح المقدس) موجَّهُ إلى صدور السوريين، يُسقط آلاف الأبرياء ويحرق ويدمِّر في وحشية لم يسبق لها مثيل، السلاح المقدس قتل من السوريين أكثر بكثير مما قتل من الإسرائيليين في جرائم بشعة، مما دفع مجلس النواب البحريني إلى إقرار اقتراح بوضع الحزب على قائمة الإرهاب، وهو من أجل هذه الجرائم، معرضاً لإدراجه على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية. لقد عصمني الله تعالي من أن أخدع بشعارات الحزب كما خُدع بها كثيرون لعدة عوامل: -1 إيماني بأن جميع الحركات المسلحة التي تتخذ من (الدين) أو (المقاومة) شعاراً للوصول إلى السلطة، إنما هي حركات انقسامية وتفكيكية وانقلابية على الدولة الوطنية. و(حماس) و(حزب الله) أبرز نموذجين. -2 إيماني بأن هذه الجماعات لا تتورَّع عن التضحية بالبشر والأوطان في سبيل أطماعها السياسية، إذ لا قيمة للإنسان لديها! وما أرخص دم الإنسان العربي لديها! لو كانت للإنسان قيمة ما ضحَّى حزب الله بعناصره في مغامرة غير محسوبة، وما جازف بهم في مقاتلة أبرياء سوريين دفاعاً عن أبشع نظام قمعي قتل من شعبه مائة ألف؟! -3 يقيني بأن هذه الجماعات المسلحة ذات نزعة إقصائية متطرفة، تحتكر (الدين) و(الوطنية) وتخوِّن وتكفِّر المخالفين، ولذلك فهي حركات هدَّامة مخربة، تؤجِّج المذهبية والطائفية وتثير الانقسامات بين أبناء المجتمع الواحد. -4 يقيني بأن (المقاومة) لا تكون بالعنتريات وبالمغامرات أو الشعارات، وأن (الجهاد) لا يكون بإلقاء النفس في التهلكة في حروب غير متكافئة. الجهاد الحقيقي هو الجهاد في الداخل لا في الخارج، للتحرر من قبضة التخلف أولاً. ختاماً.. فإن الدرس الأعظم للمخدوعين أنه لا استقرار لمجتمعاتنا ولأبنائنا ولا تنمية إلا بنزع وتجريم جميع أسلحة المليشيات، ودعم سلطة الطولة الوطنية باعتبارها (المحتكر) الوحيد للسلاح، وعدم السماح وتحت أي مبرر من المبررات بأن يكون هناك سلاح خارج الإطار الشرعي للدولة. إن حصيلة نصف قرن من المقاومة تثبت بجلاء أن سلاح (المقاومة) أو (الجهاد) انقلب على مجتمعاته نزاعاً على السلطة وتخريباً، وأصبح (أداة) لخدمة أجندة خارجية ضد المصلحة الوطنية.