بين إعلان المواقف والعمل خفية بما يتناقض معها يتشكل جدار عزل يتسم بالضبابية والزيف. إلا أن الحقيقة لا تلبث أن تظهر شئنا أم أبينا لتشكل تلك الصورة التي ندعوها الحقيقة في سريالية تشعرنا بمدى القبح الذي جسدته هذه الصورة. وهكذا هو الآن واقع حال حزب الله اللبناني على الساحة السورية؛ إذ يبدو أن الذي اعتاد السيد حسن نصرالله على ترديده على مسامعنا في خطبه الملتهبة: (سلاح المقاومة)، (سلاح الصد) و(سلاح ردع العدوان الإسرائيلي) هي جمل وعبارات للاستهلاك الإعلامي ليس إلا. فالأمر برمته لا يعدو سوى أن يشكل حقيقة مفادها أن حزب الله هو مجرد مخلب ٍآخر لإيران ينفذ على أرض واقعنا العربي إملاءات الساسة الإيرانيين. فما زال كثير منا يذكر أنه إبان المصادمات التي جرت بين حزب الله والقوات الإسرائيلية في الجنوب في تموز 2006م التي طال ضررها بيروت ومناطق متفرقة أخرى من لبنان كان المجتمع الدولي يردد أن السيد نصرالله وزمرته قد أسهموا في تفتيت ما تبقى من البنى التحتية لمدن جنوب وشرق لبنان، التي تداعت تحت نيران القصف الإسرائيلي وأن حزب الله لا يمثل سوى نفسه في هذه المعركة التي يسعى من خلالها لخلق واقع تضطر معه إسرائيل للتفاوض معه ليتمكن حينئذ من المطالبة بإطلاق أغلب قيادييه الذين اعتقلتهم إسرائيل في السابق مقابل إطلاقه الجنديين الإسرائيليين اللذين أسرهما حزب الله في عمليته التي أطلق عليها حينذاك الوعد الصادق. لكننا كعرب كنا مفتونين بأخبار الانتصارات الزائفة التي كانت تطالعنا بها قنوات الحزب الإعلامية وبالأخص قناة المنار. فأغمضنا أعيننا عما حدث على أرض الواقع اللبناني من خراب وما تم إحداثه من تدمير في سبيل الشعور ولو بنصر زائف على العدو الصهيوني المشترك. فبين حزب الله و(وعده الصادق) وإسرائيل وعملية اجتياحها للبنان التي أطلقت عليها (الثواب العادل) كان لبنان وطنا وشعبا هو الضحية جراء تهور حزب الله وتسرع السيد نصرالله وتخبطه في اتخاذ قراراته. نعم كان هناك رفضا للحرب من العقلاء ومن بعض قياديي الدول العربية، إلا أننا على المستوى الشعبي كنا فرحين ومشدوهين بأخبار انتصارات حزب الله الزائفة، حتى أن خبر نزوح نصف مليون لبناني من ديارهم جراء القصف لم يشكل لنا أي اهتمام، فقد كان حلم الانتصار على إسرائيل هو الأمل المسيطر على عقول الشعوب العربية آنذاك. إلا أن ما حدث بعد ذلك بأعوام كان المؤشر الأول على زيف تلك الآمال التي بنيناها على سلاح المقاومة وأن مراهنتنا على السيد نصرالله هي حقا مراهنة خاسرة بكل ما تحمله هذه المفردة من دلالة. إذ بمجرد أن حصل اختلاف في وجهات النظر بين سماحة السيد حسن نصرالله وبين الحكومة القائمة في لبنان وشعر سماحته بأن مصالحه الخاصة قد تكون مهددة فوجئنا في اليوم التالي بحزب الله يسارع لاحتلال المواقع الحيوية في بيروت ويحاصر المواقع القيادية للأحزاب اللبنانية الأخرى، في حركة انقلاب مفاجئة على الحكومة اللبنانية المنتخبة ضارباً بشعاراته المهترئة، التي لطالما رفعها بخصوص دوره في حماية الشرعية المنتخبة في لبنان وأن سلاح حزب الله هو سلاح لجميع اللبنانيين، عرض الحائط. وها هو الربيع العربي ورياح التغيير تضرب سوريا لينشب الصراع بين المواطن السوري البسيط وبين نظام بشار الأسد المعروف بدمويته وبانتهاجه سياسة القمع لمعارضيه، لنتفاجأ بنشامى حزب الله يضعون أيديهم في الدم السوري في محاولة لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط. فعندما يوجه جنود السيد نصرالله فوهات بنادقهم لصدور أطفال وأرامل سوريا سعياً منهم لنصرة حليفهم بشار وضمان بقائه في السلطة فتلك هي الكارثة. وعندما يتحول سلاح المقاومة للعبة في يد ملالي إيران فتلك الطامة الكبرى، وهي الدليل الدامغ على أن السيد نصرالله وسلاح مقاومته يبيعون ولاءاتهم للغير ويغيرون مواقفهم وفقا للمصالح ولا ينطلقون من ثوابت وطنية كما يدعون، فهم لم يعودوا يَفْرِقون شيئا عن الجنود المرتزقة الذين يبيعون خدماتهم لمن يدفع أكثر. من المؤكد أن الحرب الدائرة الآن في سوريا قد أظهرت عديداً من الأشياء وكشفت كثيراً من الخبايا، إلا أنه من بين كل ذلك يظل كشف زيف حزب الله وكذب شعاراته هو الأمر الأبرز على الدوام.