*لعلّه ما مِن أحد، يمكنه أن يُماري في: أنّ الإسلام دينٌ لأمةٍ، وليس ديناً لدولةٍ وحسب. وعليه، فهل يمكن للدولة إذ ذاك، أن تقوم مقام الأمة، وتلغي بالتالي وظائفها؟! وعلى ذمة جملةٍ من المحققين: هل إنّ هاجسَ: «الدولة» قد استحالَ عقدةً، لا يفتأ: «الحزبيون» من استصحابِهَا، أثناء مشغولاتهم. وبخاصةٍ في كلّ ما يأتون ويذرون مِن حراكهم السياسيّ، إذ إنّه ما تلبث – في سياقٍ من أدلجتها- أن تتضخّم: تلك الدولةُ، وبصورةٍ منتفشةٍ، بحيث تأخذها المبالغةُ إلى شيءٍ من التأليه.! * لا مشاحةَ في أنّ شعار: «الإسلام دين ودولة» مصطلحٌ حادثٌ، وبامتيازٍ هو الآخر قد تمّت أدلجته. ولئن ساغ قبول تداوله، بوصفه:»وسيلة» لا مقصداً شرعيّاً، فإنه -وفق ما أفهمه- لا يصحّ بأي حالٍ أن يُستعاض به عما توافرت عليه دلالة النصوص الشرعية من المفهوم الشرعي ل: «الإسلام دين وأمة». إلى ذلك نتساءل: مَن ذا الذي استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! وهل أنّ المرحلةَ، قد دقّت ساعتها، وفق عقارب: «الإخوان» للتّواصي بالقول المبين: كفّوا أيديكم عن: «إقامة الدولة « و أقيموا: « الحركة» مقام الأمة؟!. بينما نسأل: «حزب التحرير» إلى أين انتهت بكم المطالبة في عودة: «الخلافة»؟! (صح النوم) المنهك للأمة كلها، حينما ننتظر الإجابة، عن كل هذه الأسئلة، من لدن: «جبهة النصرة» وأخواتها!. *منَ يُسأل عن إقحام: «الدولة الإسلامية» في كتاب: «العقيدة»؟! بحيث أضحت من مسائل: «أصول الدين»؟!، وبات يُرتّب عليها ما يترتب عادةً على المخالف في: «المسائل العقدية» في بابي الأسماء والأحكام!. وإذن، فثمّة: «خلافة/ دولة» هنا، وعلى الضفة الأخرى: «إمامة» هناك، فأين الفرقُ فيما بين المدرستين؟! وأيهما أحق بالأمن الشرعي. *في سبيل فهم هذه الإشكالية، يمكنكم تنحيت كتابي :»الأحكام السلطانية» ل:»الماوردي» والآخر ل: «أبي يعلى» جانباً، ذلك أنّهما-مع ما فيهما من نفع- إلا أنهما قد اشتغلا على التبرير: «لدولةٍ قائمةٍ / ولملكٍ عاضٍ قائمٍ»، وهما بهذا لا يؤصلان مطلقاً لما يجب أن يكون الأمر عليه، بقدر ما قد أخلصا في كتابيهما: «للخليفة» نفعاً وليس للأمة إلا الضّر. فيما ألفينا: «الجويني» في:» غياثه «، لا يستنكف من مهاجمةٍ خشنةٍ يتناول به معاصره: «الماوردي»، ناسفاً بذلك القواعد التي تأسس عليها كتاب هذا الأخير، وطفق: «الجويني» في ثنايا كتابه، يندب حظّ هذه: «الأمة»، إذ بات الخليفة فيها عبئاً يقوّض بناء الأمة، ولا يشد من أسرها، والنتيجة- بحسب الجويني- لا حاجة إذن لبقاء الحليفة، على اعتباره إنما: يجترح ممارسة مزدوجة للسلطة.! وأوشك معها أن يتأله إلا قليلاً. «ابن تيمية»- وحسب تعريفه لنفسه بكونه: رجل أمة لا رجل دولة -ظلّ يحاول جاهداً، في أن يتوسّط فيما بين مدرستي: «الماوردي» و: «الجويني»، غير أنّه كثيراً ما كان يصطدم بواقعٍ مربكٍ، يضطره فقهاً، إلى أن يتعامل مع: «الخلافة/ الدولة» باعتبارها: «وسيلة»، خاضعة للنظر المصلحي ليس إلا، وهذا ما يجعله دوماً يُغلب وَفق نظره للمآلات: «أخف الضررين». وحقيقة: «ابن تيمية» أنه ما كان بالمرة حفيّاً بالدولة- ومشتقاتها الاصطلاحية – على خلاف ما يشيعه أتباع المدرسة السلفية اليوم. بعد كل هذا يمكننا أن نسأل: لماذا يتباين الموقف من الخلافة -الدولة وأحكامها- فيما بين: «أهل الحديث» وبين مدرسة: «الفقهاء»؟! وما ثمّ إلا نصوص واحدة. ذاك قديماً، في حين ألفينا المُحدَثين- زماننا هذا- يعيدون الاختلاف في الموقف مِن: «الدولة/ الخلافة» لا على اعتبار مدرسة: «أهل حديث» أو: «فقهاء»، وإنما وفق تقسيم آخر، وهو: «حركي.. حزبي.. سلفي.. سلطة علمية..»! إنه التأريخ الذي لم نزل بعد نقدسه، وأورثنا وهنا على وهن، منذ غدونا نرسف بأغلاله. انتهت المساحة ولمّا أنتهي بعد. في ختم هذه المقالةِ، أود أن تتأملوا لوحدكم: هذا الحديث، إذ الصيد في جوف الفرا: عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لتنقضنّ عُرَى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة» والحديث عند ابن حبان وغيره وهو صحيح.