هذه الأيام، يستشيط المجتمع الإسرائيلي غضباً على خلفية مقاطعة العالِمْ الفيزيائي الشهير «ستيفن هوكينج» «مؤتمر الرئيس» الذي يرعاه الرئيس الإسرائيلي «شمعون بيريز»، ويعزى سبب تلك المقاطعة الأكاديمية إلى الاضطهاد الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين. خلال الأيام الماضية، قرأت عشرات المقالات المنشورة في الصحف الإسرائيلية، التي تتحدث عن مقاطعة العالم هوكينج للمؤتمر، ومنها مقال للكاتب «ديفيد التمان» بعنوان: «رسالة مفتوحة إلى البروفيسور ستيفن هوكينج» يشرح فيه الحق التاريخي لليهود في فلسطين، وأن العالم فيه بليون مسلم قادرون على تغيير الحقائق التاريخية لصالحهم، كما أنهم يسعون إلى السيطرة على أوروبا. ثم ما لبث أن ألحق مقاله بعد أيام بمقال آخر حمل عنوان: «بروتوكولات حكماء الإسلام» الذي يبدي فيه انزعاجه الشديد من الامتداد العالمي للفكر الإسلامي المعادي لإسرائيل وللديمقراطية برمّتها، معتبراً أن هذا الفكر لم يعد مجرد تهديد، وإنما تطور ليصبح برنامجاً وخطة عمل، أصبحت معه جماعات المصالح المرتكزة على الأصولية الإسلامية تشكل ضغطاً على المؤسسات والرأي العام في جميع أنحاء أوروبا وأماكن أخرى. الواقع أن مصطلح «الأصولية الإسلامية» مألوف في أدبيات الدين الإسلامي، والأصولية بمفهومها المجرد هي الأساس المتين لأي دين.علاوة على ذلك، هي تعبر بكل بساطة عن القواعد الرصينة لأي محتوى فكري. لذا فالأصولية ضرورة حتمية لأي دين أو منظومة فكرية. يحاول اليهود جاهدين أن يقنعوا العالم بأن الإسلام هو عدو الديمقراطية، في الوقت الذي يتجاهلون فيه أن دولة إسرائيل قائمة على «الأصولية اليهودية» و«الفكر الصهيوني» وتتعاظم فيها الأحزاب الدينية يوماً بعد يوم، وتسيطر تلك الأحزاب على الحياة السياسية بكل تفاصيلها. ما لا يعرفه معظم الناس، أن تحريف المعنى المعتدل والحقيقي للأصولية الإسلامية، جاء على يد (شمعون بيريز) إبان عملية السلام، إذ كان لا بد من إيجاد عدو مشترك لإسرائيل والعرب حتى يقفوا صفاً واحداً لقتاله، وكان لا بد من تربية ذلك العدو في معاقل الأنظمة العربية نفسها، من أجل ضمان استمرارية العلاقة مع إسرائيل، فضلاً عن ضمان الخرق الفكري للإسلام الحقيقي. وقد تحدثت عن هذا الأمر في مقال سابق. يعيش الدين الإسلامي أشد حالات الانقسام الفكري، والذي أثر في كثير من الأحيان على جوهره الإلهي، وجعل الحكم في معظم الحالات على الإسلام حُكماً مغلوطاً يستند إلى سلوك بعض المسلمين أنفسهم، ولا يستند إلى تعاليم الدين الإسلامي السماوي. بعكس «أينشتاين» الذي كان متحمساً للمشروع الصهيوني، أدرك هوكينغ الحقيقة حول الصراع العربي الإسرائيلي، ولا أعتقد أنه أدركها بسبب جماعات الضغط الإسلامية، بقدر ما نظر إلى العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية ربما من منظور عقلاني فيزيائي، وهذا بطبيعة الحال يفتح الدعوة المتجددة للطوائف الإسلامية من أجل إعادة النظر -ربما فيزيائياً أيضاً- في «ميكانيكا الكم» و«ميكانيكا التصدع» والابتعاد عن «الثقوب السوداء» ليصبح المسلمون بالفعل بليون شخص مؤثراً، ولديهم برتوكولاتهم التي يفخرون بها.