جاري أبو كامل لم أفهم عليه بعض التصرفات حتى تعرفت في علم النفس على (الوسواس القهري). كان إذا خرج من البيت رجع من جديد وأكثر من مرة؛ فإما أنه نسي صنبور الماء مفتوحاً، أو فتحة الباب لم يحكم إغلاقها؟ أو أن الفرن يعمل واللهب يقترب من حالة الحريق. يفعل ذلك كل يوم وفي كل خروج ومكررا. رأيته أنا مرة فلم أفهم حتى لوحت بذلك زوجته متأسفة وعنفته قليلاً. كان هذا له أما لنا فهو موضوع الطعام الذي كان أزمة للعائلتين؟ إذا دعانا انتبهنا إلى موقع أيدينا، وإذا مددنا أذرعنا بالملاعق والشوكات والسكاكين وجب أن نتحرك على نحو هندسي محسوب؟ أما إذا حملت أنا صحن الطعام اللذيذ الذي كانت تتحفهم به زوجتي -رحمة الله عليها- فكان علي ارتداء القفاز المعقم؟ وكأني في غرفة العمليات الجراحية!. أحمل الأناء بحذر وأناة ودون لمس إلا من قعره، وهو خطير أن يسقط فيندلق الطعام وينكسر الإناء، ولكنها احتياطات لابد منها حتى يأخذ الصحن بابتسامة انتصار عريضة؛ فهذا هو ديدن التعامل مع المصابين بالوسواس القهري. قالت زوجته عنه -رحمه الله تعالى-: كانت عندنا مشكلة في تسليم الأولاد للمربية البريطانية عندما كان الاثنان يختصان هناك. قالت أتى للمربية بعشر رضاعات للحليب احتياطاً ألاّ يبلع الطفل جراثيم مع الحليب فنهرته المربية وقالت هذا شغلي وحين ترى أولادك مرضى فاسألني؟ فسكت غير مقتنع وتابعت هي إرضاع الأطفال. هنا نرى جراح القلب والصدر مصاباً بمرض في القلب، ولكن ليس دساما معطوبا، وفتحة في البطين، وانقلابا في وضعية الشرايين بل هوس مدمر. القرآن الكريم يقول لنا عن بعض الناس في قلوبهم مرض. القرآن هنا يعني ليس المرض العضوي بل المرض النفسي. جاء في سورة النحل نموذجان من أهل قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا مقابل من ابتلاه الله بالجوع والخوف. وهو بحث رائع لم يتوضح لي إلا من علم النفس الإنساني. صديقي من مدينة الجديدة في المغرب حدثني عن هذا البلاء الذي تسلط عليه فكان لا يكف عن غسل يديه، وامتنع عن تناول أي طعام خارج المنزل لسنتين. حين قال ماقال قلت له خذ مني هذه الأفكار في الحلقات الثلاث والخمس ومثلث العدل وله حديث تال في عمود مستقل.