عوض العمري كنت كغيري من الناس لا أرى إلا الظاهر من أفعال الناس والأخطاء التي يمكن أن يرتكبها أي مجتمع قبل أن تظهر لي أسباب دفعت الناس للوقوع فيها. فتخيل معي رجلاً يخرج بعائلته إلى متنزه يعج بالمتنزهين فيأكل ويشرب ويبقى بقايا يجمعها في كيس ثم يذهب للقمامة فيجدها ممتلئة ماذا يصنع؟ هناك عدة حلول لهذه المعضلة فمثلاً يحشرها بالقوة في البرميل الصغير أو يضعها في برميل آخر يبعد 500 متر -وربما يكون أيضا ممتلئاً- أو يضعها بجانب البرميل وهو الأسهل عليه طبعاً. هنا يأتي عمل عامل البلدية الذي يفترض أن يأخذ القمامة الملقاة بجانب البرميل. لكنه يتركها ولا يأخذ إلا ما احتواه برميل القمامة الصغير! ثم تعالوا إلى المستهزئين الذين يصورون مشهد القمامة الملقاة ثم يعبرون عنها بالخط العريض «شعب متخلف» ويصفونها «بالجريمة البشعة»! هي فعلاً جريمة لكنها ليست من شخص واحد فحسب ولو دققت في أصل الحادثة لوجدت أن هناك مؤامرة لتشويه صورة الشعب تشترك فيها عدة أطراف بتنسيق أو دون تنسيق، منهم من ضبط بالجرم المشهود ومنهم من سبق الجريمة بالإصرار والترصد ومنهم من اكتفى بالتخطيط لها. كما أن هناك جهة تولت التمويه على الجريمة وإخفاء آثار الأطراف المتآمرة. فالعامل الذي ترك النفاية ملقاة عمدا والشركة التي أبرمت العقد ثم أخلت به والبلدية التي تتغاضى عن الشركات وأهملت الرقابة عليها كما أنها لم توفر مستوعبات النفايات لا بالعدد المطلوب ولا الحجم المطلوب وكذلك لم تسهل آلية لاستقبال الشكاوى على تجاوزات الشركات ولا حتى معاقبتها؛ كلهم أطراف في الجريمة وكل منهم يتحمل جزءاً من المسؤولية على حسب موقعه وصلاحياته. يأتي بعد ذلك أهل الوشاية والسخرية ليغضوا النظر عن كل الأطراف ويموهوا على الناس أن المواطن هو المجرم الوحيد هنا. ويشيعون في كل مكان «شعب متخلف». هي إشاعة يساهم في نشرها ثلاثة عناصر وكلهم ذوو سمعة لا تؤهلهم للكلام في الشعب حقيقة وكلهم فاقدون للمصداقية ومتعصبون ضد الناس إما عن عمد وإما عن جهل. فالعنصر الأول هو المسؤول المتعالي الذي يريد دفع الشبهات عن نفسه وإلقاءها على عامة الناس ليضيع المتهم ويخرج هو براءة. والعنصر الثاني هو جزء من عامة الناس لكنه اطلع على حضارة أخرى فأصبح يحتقر شعبه ويزدريه انبهارا بغيره. والعنصر الثالث خرقى لهم ألسنة يتفيهقون في المجالس وينقلون حديث العنصرين الأولين. والغريب أن نسمعهم ثم لا نرد عليهم ولا نسكتهم دفاعاً عن أنفسنا قبل كل شيء فنحن الشعب السعودي مهما كان. إن واقع شعبنا اليوم يكذب الوشاة ويخرس ألسنة المغرضين ممن نالوا من شعبنا ورموه بالقذارة وسوء التدبير. فلقد رأيت أفراد شعبنا المغتاب يصنعون مستوعبات النفايات عند بيوتهم عندما عجزت البلدية عن توفيرها ومنهم من يحملها في سيارته ليلقيها في أقرب مستوعب وربما يبعد عدة كيلومترات. كما استخدموا أكياس نفاية صغيرة في السيارات تجنبا لإيذاء الناس في الشارع. ومنهم من أوقف سيارته وخرج ليميط قمامة ملقاة في وسط الشارع ومنهم من يستأجر العمالة لتنظيف الحي بل إن منهم من يوزع أكياس النفاية في المتنزهات الواسعة بين الناس تطوعاً من نفسه دون أن توظفه جهة ولا منظمة. بل إن هذا الشعب الكريم يقدم لعمالة البلدية الماء والعصير وبعض الريالات والصدقات وبقايا الأطعمة طيبة منه وتحفيزا لهم على العمل ثم ترى العمالة يعبثون بالبيئة ويتحايلون على الرقابة. عذراً أيها الشعب السعودي فقد ظننت لوهلة أنك لا تمارس النظافة اختيارا منك وتندرت مع من تندر واستهزأ بك ولم أعلم أنك مظلوم قد أهملك المسؤول وتحايل عليك عامل البلدية ولهط التاجر الأموال على حسابك وعبث بسمعتك المغرضون ووقعت أنت الضحية.