يستعيد أبو محمد، الموجود حالياً في مُخيّم برج البراجنة الفلسطيني الواقع جنوببيروت، ذكرى التغريبة الأولى، اليوم المشؤوم الذي هُجِّروا فيه من وطنهم فلسطين، فتغريبة ذاكرته تجدّدت. يتكلم الرجل السبعيني عن قصفٍ وقنصٍ وتدمير طال منازلهم، فاضطُرَّ إلى النزوح من مخيم اليرموك في سوريا إلى مخيم برج البراجنة في لبنان، تجربته هذه لم يُقدم عليها تشبّثاً في حياةٍ لم تعد تعنيه، كما يقول، إنّما «حفاظاً على ما تبقى من عائلته». حال أبو محمد، تختصر حال كثيرين ممن جاءوا إلى مخيم برج البراجنة الكائن في ضاحية بيروتالجنوبية، هرباً من جحيم المعارك الدائرة في سوريا بعدما تعرض مخيمهم للقصف على أيدي قوات النظام السوري. فرار بعد دمار المنازل وتحكي أم عبدالله عن معاناة أمها وأختها اللتين دُمِّر منزلهما في مخيم اليرموك وشُرِّدتا وسُكِّنتا في حديقة وتنقلتا لعدة أسابيع من مدرسة إلى أخرى قبل أن تصلا إلى لبنان. وتقول الفلسطينية المولودة في لبنان: «مرَّ على وجود العائلة هنا 7 أشهر»، لكن منزل الابنة المؤلف من غرفتين ضاق بهما، وأسعار غرف الإيجار في المخيم ارتفعت بشكل جنوني، فلم يبق أمامهم إلا أن يُغلقوا الشرفة ليسكنوا فيها، بحسب ما يُخطّطون. المرأة الستينية أم عبدالله، التي تحمل بطاقة لاجىء وهي من سكان بيروتالشرقية سابقاً، أتت إلى مخيم برج البراجنة قبيل سقوط الكرنتينا على يد حزب الكتائب في العام 1975، ابنتها متزوجة في لبنان، أما إخوتها فجميعهم مهاجرون في الدانمارك، باستثناء شقيقها الأكبر الذي يعمل موظفاً في منظمة «الأونروا» في دمشق. وينقسم اللاجئون في هذا المخيم بين موالٍ للنظام السوري ومعارض، أم عبدالله من الموالين، تنهال بأقذع الأوصاف على «المعارضين الذين ركلوا النعمة»، تتحدث عن حقوق للفلسطينيين في مخيم اليرموك ليست لهم في لبنان. في المقابل، يذهب لاجئون سوريون، يتحفّظون عن ذكر أسمائهم، باعتبار أنهم في منطقة خاضعة لنفوذ «حزب الله»، إلى حدّ مقارنة النظام السوري بإسرائيل، يحكون عن قصف وحشي تعرّضت له المنازل الآمنة فأسفر عن سقوط شهداء في صفوف العجائز والأطفال. 1400 عائلة لاجئة «الشرق» التقت رئيس اللجان الشعبية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في المخيّم، أحمد مصطفى، والذي تحدّث عن وجود 700 عائلة فلسطينية، ومثلهم عائلات سورية قَدِمُوا من سوريا، ويتوزعون ضمن محيط مخيم برج البراجنة البالغ مساحته ربع كيلو متر مربع. ويؤكد مصطفى أن الفلسطينيين أتوا من مخيم اليرموك وحمص ودرعا ومناطق الشام، لافتاً إلى أنّ الأغلبية قَدِمَت من اليرموك، وهو أكبر مخيمات سوريا قرب العاصمة دمشق. ويقول القيادي الفلسطيني: «إننا كلجان شعبية نتعاطى مع الفلسطيني فيما يتعلق بالجانب الإغاثي لأن السوري لديه مفوضية يعود إليها». وترعى شؤون النازحين الفلسطينيين منظمات «الأونروا» واللجان الشعبية والمؤسسات الاجتماعية العاملة في الوسط الفلسطيني، أما بالنسبة للنازحين السوريين فهناك «المفوضية العليا للاجئين» والهيئة العليا للإغاثة اللبنانية و»DRS» التابعة للدنمارك ودار الفتوى أيضاً. نداءات استغاثة ويعاني أبناء المخيم، وخاصة نزلاءه الجدد، من نقص كبير في الحاجات الضرورية، إضافةً لارتفاع الإيجارات، وبالكاد بات ممكناً إيجاد غرفة داخل المخيم، وكذلك مشكلة العلاج، إضافة إلى النقص في الحصص الغذائية والمساعدات المالية التي ليست دورية، إنما مزاجية. وبحسب ما يذكر اللاجئون ل «الشرق»، فإن المساعدات يمكن أن تأتي كل شهرين إلى ثلاثة أشهر»، فضلاً عن النقص في حليب الأطفال، هذا إلى جانب ذوي الاحتياجات الخاصة الموجودين من بين اللاجئين. ويطالب اللاجئون الفلسطينيون التي التقتهم «الشرق» منظمة الأونروا ب «ضرورة التعاطي بجدية لتأمين منازل إيواء لهم وتأمين حصة غذائية على الأقل شهرياً»، كما طالبوا منظمة التحرير الفلسطينية برصد ميزانية للاجئين، ناهيك عن تكرارهم توجيه «نداء للحكومة اللبنانية بوجوب شمول مساعدة الهيئة العليا للإغاثة الفلسطينيين اللاجئين، وليس للسوريين فحسب».