الجمال وَالقبح نقيضان، فالجمال يعني الحُسن، وهو خلو الشيء من العيوب قال تعالى:» لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» التين آية (4). والجمال أصل في الأشياء، أمّا القبح فطارئ عليها، وَ له شقّان حسيّ وَمعنوي، فالحسيّ هو ما ارتاحت له العيون وَسعدت به النّفوس، وَ تشنّفت به الآذان، وَتنعّمت به الأبدان، وَزكَت به الأنحاء، وَأمّا المعنويّ فمرتعه الكلمة الطّيبة وَالفعل الحسن. وَالجمال قيمة تنبت في دواخلنا، وَتعكسه ملامحنا فنبدو أجمل، لكنّ ذلك لا يكون مع الجمال الحسيّ، فكم من زهرة بهيجة تنفث السّم الزّعاف، وَكم من وجه جميل كالقمر يستر قلباً كالحجر. بالجمال تغدو الكراهية حبّاً، وَالقسوة ليناً، وَالفظاظة دماثة، وَالكِبْر تواضعاً، إنّنا نستطيع أنْ نغرسه في ذواتنا وَفي أطفالنا حين نزيّن طرقاتنا وَبيوتنا بشجيرات وَزهر، وَحين نعفّر أجسادنا بأديم الأرض، وَنشاكس بأيادينا جريان النّهر، وَهو الشعور بالطمأنينة في ظلمة العتمة، وَبالفرح ببزوغ نهار، وَبشدو طير جذلان يرقّصه غصن رطيب. نراه هناك في التواء خواصر الشواطئ، وَفي تقوّس التلال منكفئة في أحضان صحارينا، وَهي تعانق الأفق، وَحين نلقي بأجسادنا المتعبة تحت سقف السّماء ملتحفين السّديم، متنكرين لكلّ شيء إلّا مِن خيالنا الّذي ينطلق مسافراً نحو نجيماتها، فتدسّ معه رسائل ودٍّ تذكرنا بأنّ الكون واحد، وَالخالق واحد.