يعن الله الغامدي في إحدى إثنينيات الأستاذ/ أحمد العبيكان في الطائف، وفي استراحته التي أشرف بارتيادها منذ سنوات، جرى حوار بين بعض المثقفين من المميزين في عروس المصائف حول الكتابة الإعلامية في الصحف اليومية، وكان بعضهم من ربّانها، وكان الحوار يدور حول نقد بعض الإدارات الحكومية أو المشاريع المحلية وهل ذلك من مبدأ الشفافية أو من باب العقوق؟ فمنهم من يرى أن أصحاب الأقلام التي تنتقد في صحفنا هم أصحاب فتنة، بينما يرى آخرون أن السكوت عن المطالبة بحقوق المواطن أو عدم الإشارة إلى مناطق الخلل نفاقٌ. وكان النقد يرتفع عند بعضهم إلى درجة النصيحة وينخفض عند الجانب الآخر إلى درجة الفضيحة أحياناً، بينما كانت الوسطية هي الحلقة المفقودة بينهم في هذا المجال. وإذا اتفقنا أن أي مسؤول في أي جهاز حكومي عليه أن يحتمل الإعلام الذي هو عين المسؤول والسُلطة الرابعة كما يقولون ومن حقهم نقل هموم وشكاوى المواطن ونقد أي جهة حكومية مُقصرة، فعلى تلك الجهة أيضاً الرد في وسائل الإعلام نفسها، لأن السكوت يعني الاعتراف كما أصدر ذلك خادم الحرمين -حفظه الله ورعاه- في الأمر الملكي رقم 42283 في عام 1432ه. إن النقد البناء مطلب مهم إن لم يكن ضرورة بالرغم من تداخل الألوان بين النقد الموضوعي الذي نتفق عليه والنقد الذاتي الذي نترفّع عنه. * الناقد عليه أن يتحيَّن المكان المناسب والزمان المناسب إن كان هدفه الإصلاح، والعاقل عليه أن يستخدم الحكمة في القول والفعل إذا كانت غايته النجاح. * النقد ليس وشاية بشخص أو شكاية من نص، والصمت ليس خيراً كله، والنصح ليس شراً جُله. * من حق الكاتب أن يُفاوض، ولكن لا يشتم أحداً، ومن حقه أن يُعارض، ولكن لا يَظلم أبداً. * نعترف بأن لدينا من الإعلاميين عقولاً تُفكر، ومن المسؤولين أيادياً بيضاء تعمِّر، ولكن للنجاح ضريبة، والرحمة مثلاً لها مُحب وكاره. * النقد الذي نتمناه للوطن هو النقد الذي يدعو إلى التصحيح، والنقد الذي نتمناه للمسؤول هو النقد البعيد عن التجريح. * إن الإشارة إلى مكامن الضعف ليست ضعفاً، والإشادة بمواقع القوة قوة. * لا خير في نقد ليست فيه رائحة النصح، ولا خير في مسؤول لا يحب النصح، وقد كانت الأعراب تقول: نصح الصديق تأديب ونصح العدو تأنيب. * إن الناقد الحقيقي هو الذي يبحث عن الحقائق بالأدلة والوثائق بعيداً عن الإسقاطات وتصيُّد العثرات، والإسلام قد فتح الباب في هذا المجال في أجمل صورة عندما قال جلّ من قائل: (وجادِلهم بالتي هي أحسن) النحل: 125. وقد جعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النقد أجمل هدية في مقولته المشهورة: «رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي».