أمنية الشاعر بل وأمنية الكثيرين أن يكون في الطيب علامة فارقة، يعرف بها تميزه عن عكسه من أهل الجحود وناكري الجميل فيميز هذا عن ذاك، فتعفي علامة الطيب من يبحث عن أهل الوفاء والمعروف وتريحه من تجربة الناس وضياع وقته، ولا يفاجأ أحد بعكس ما يتوقعه ولا يصدم أحد في صديق ولا رفيق ولا في من بذل فيه معروفا فجحده. لكن مثل هذا التمني مستحيل وهو ليس اعتراضا ولا تذمرا، ولكنها أمنية قد يقولها الشاعر تسبق عرض فكرته ورأيه ونقده وتشرح هدفه في قصيدة توضيحية عن أحوال المجتمع. فالاهتمام بالعلاقات وبسلوك وتصرفات وصفات أفراد المجتمع والوسط الذي يتحرك فيه أحدنا بكل علاقاته ويعيش فيه، هو جزء من اهتمام الجميع والشاعر والناقد بالذات من أجل تحسينه إنه يأخذ الكثير من الاهتمام والمتابعة والنقد وتسليط الضوء على تفاصيله، وذلك لغرضين هما: إمكانية التعايش مع مكوناته بشكل مناسب، وكذلك من أجل الوصول به إلى درجة من التمام أو على الأقل تقليل ما فيه من سلبيات ومنغصات مقلقة، وهذا الاهتمام يأتي باعتبار المحيط بنا محضن لنا يحتوينا، يؤثر فينا ونؤثر فيه سلبا وإيجاباً، ولهذا لا نكتفي بمجرد التزام الحياد حيال مظاهره أو ظواهره، وفي الوقت نفسه لا نستطيع التغافل عنها، بل نتألم من سلبياته لأنها تتعبنا وتنغص معيشتنا، ونشيد بكل إيجابياته لأنها تجعلنا سعداء نهنأ فيه، كما أننا نتمنى المزيد من الارتقاء به وبأفراده، فلا غنى لبعضنا عن بعض. من هنا توجه نقد الشعراء ذما أو مدحا وثناء أو حيادا، لما يرونه في مجتمعاتهم وذلك بغية التعديل والتوجيه وتعبيرا عن الرضا أو العكس، و تمنوا الكثير من الصفات الطيبة والخصال الحسنة في أفراد مجتمعهم فهم جلساؤهم ومصدر أنسهم وهم أهلهم ومعارفهم وأصدقاؤهم يتبادلون معهم المنافع ويتقاسمون الحياة كلها بما فيها ، فأثنوا خيرا على محاسن الأخلاق والشمائل الطيبة من أجل الترغيب فيها ونشرها والدعوة إلى التحلي بها. وأيضا مقتوا خصال التردي وتألموا من اتصاف البعض بها، وعملوا على نقدها وذم من يتصف بها أو يتخذها أسلوب حياة، وأكثر الشعراء من تضمين شعرهم تجارب حياتهم الخاصة ورؤاهم وخبراتهم في كل أوجه الحياة المتعددة ووجهات نظرهم أو وجهات نظر الآخرين الذين نقلوها لهم، كما أوضحوا تحذيراتهم من المكر والنفاق والخديعة، وأثنوا خيرا على فضائل الأخلاق والتعامل الحسن. كل ذلك من أجل أن يتعايش الناس بصفاء وصدق وطيب خلق وأمانة وأن يتجنبوا الخداع والحسد أو البغضاء أو ما يفسد العلاقات وينغص الحياة عموما، وأن يكون للأفراد ظاهر موافق للباطن من سماحة وحب الخير للغير وإيثار بعيدا عن الزيف والنفاق. إذا كان أفراد المجتمع كذلك فإنما يعم السلام بينهم ويسود الطهر، وهو مطلب الكل. ولكن بعض الشعراء والمجربين يقول إن هذا المجتمع المثالي الذي ننادي به ما هو إلا خيال، لا واقع له، والحقيقة في رأي بعضهم أن الناس فيهم كل الأنواع الطيبة وعكسها، وفيهم من يحسد ومن يحقد ومن يخادع ومن يظهر بمظهر لغرض في نفسه، وفيهم الطيب ولكن لا يمكننا التعرف عليه من صفاته الجسمية لأن الطيب لا يظهر إلا بالتجربة، ويتمنى الشاعر أن يكون على كل شخص وصاحب تعامل حسن وأمين، علامة تدل عليه حتى نسارع لاتخاذه صديقاً ونضمه إلى معارفنا ويتضح المخادع والجحود وناكر الجميل يقول الشاعر: ألا ياليت ربي يوم سوى عبيده حط بالطيِّب علامه وهذا التمني مما يقال عنه المستحيل، لا تمني اعتراض على أمر قائم فالفعل، وهو معروف وله شواهد مثل تمني الشعراء عودة الشباب، أما نكران الجميل والجحود فهذا أيضا وجه من الوجوه المرفوضة في مجال التعامل والسلوك والتعايش ، وللأسف قد تتواجد بذوره أيضا في الكثير من المجتمعات وإن كان الأفراد الذين يتصفون به قلة لكنه موجود بلا شك، وهو مقلق ويسبب الكثير من الجراح للنفوس الكريمة التي تقابل بالجحود يقول الشاعر: بذرت الجود في من لا جزاني سوى ذمٍ إلى هبت ولامه وفي هذه المعاني نتناول قصيدة الشاعر إبراهيم بن زيد المزيد رحمه الله ، وهو شاعر من إقليم سدير، عرف بالكرم والجود، والعلاقات الطيبة وحسن التعامل وبذل المعروف.. والقصيدة ترجمة لتجربة في العلاقات والتعامل بين الناس، يشرح فيها ويوضح الكثير مما يحتمل حصوله، ويستعرض صورا منوعة ومتباينة قد تخفى حقائقها على من ليس له خبرة ودراية يقول في قصيدته: لقيت الناس مامنهم سلامه لزومٍ يلحقك منهم ملامه ولاتحسب حلالك ؛ لوتبيده يبي يحماك من هرج الفدامه بذرت الجود في من لاجزاني سوى ذمٍ إلى هبت ولامه حقود القلب نقال الوشايا هذور سهمته نقل النمامه إلى منه طرى له ماطرى له تكلم مايثمن وش كلامه يقوله يزعم إنه مازحٍ به وهو ينقض ويفتل في عدامه دخيل الله من خطو السملق إلى بالهذروان أطلق لجامه ألا ياليت ربي يوم سوى عبيده حط بالطيِّب علامه على شان الذي بالناس جاهل يعرف الحر من برق الجهامه لجل بالناس شيطانٍ ملبَّس ولو يلوي على راسه عمامه يغرك بالسلام وبالتحفي وهو شيحٍ وجثجاثٍ طمامه مثل هذا: تحذر منه جدا ولا تدني منامك من منامه وبعض الناس في ممشاه رافض يختل الناس في قل اهتمامه رافض: بمعنى يمشي بهدوء ويقصد بالهدوء هنا ممشاه في التعامل والتصرفات يتحين فرص الخداع بلا ضجيج أو لفت انتباه لا يبدي لمن حوله اهتماما يذكر بينما هو أشد خطرا من الذئب. حذارك لاتحطه لك ظنينه ترى ذاك الطمع منه السلامه وبعض الناس يبدي لك نصيحه ولكن ماتعرفه وش مرامه وهو ما مقصده نصحٍ ولكن يبي يلبسك للحاجة خطامه يعني أن مقصد بعض الناس من التقرب والنصح وضع زمام القيادة وخطام السحب في عنقك كما يوضع الخطام وهو الحبل، في أنف البعير ليقاد بتذلل وتطويع سهل. وإلى منه قضى بك مايريده أخذ سدك وضربك المهامه والمهامة الصحراء والقفر من الأرض ويقال المهمهية حيث لا حياة فيها ولا ما يعين على البقاء. وينهي قصيدته بما بدأ به من تقرير حالة الناس من وجهة نظره، وهي أنه لا سلامة منهم، وأن بذل الجود والكرم لا يقي صاحبه من تسلط بعض الألسن فهم يعيبون على هذا وذاك، وتلحق ملامتهم كل أحد، والحل هو أن مشكاهم على الله فليكن بذل المعروف والجود للأخيار وللطيبين، والحذر من أهل الجحود وممن يلبس ثوب الخداع ويبطن خلاف ما يظهر ويخفي عن الناس أطماعه وطباعه المرفوضة، وكأنه بهذه القصيدة يعطينا تجربة عامة لكن دونها بوزن وقافية .