تبنى مجلس التعاون الخليجي في القمة الخليجية التي عقدت في الرياض في 19 كانون الأول (ديسمبر) 2011 النداء الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي قال فيه حان الوقت كي تعلن دول مجلس التعاون الخليجي عن اتحادها بعد أن استكملت كل الأسباب الضامنة لقيام كونفيدرالية ناجحة. وهذا النداء الملكي يذكرني بالآمال التي كان عبد الله بشارة أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي يحلم بها في السنوات الأولى لتأسيس مجلس التعاون الخليجي، فقد كان السيد بشارة يقول: إن النظام السياسي لمجلس التعاون الخليجي لا يحدد الوجهة التي سيكون عليها مجلس التعاون في المستقبل، إلا أننا في الأمانة العامة قد توصلنا إلى النتيجة التي سيصل إليها مجلس التعاون إن آجلا أم عاجلا وهي أن المجلس سيصل إلى شكل من أشكال الكونفيدرالية، وقال بشارة وهو دبلوماسي محنك: هذه النتيجة مبنية على حقيقة كون كل بلد يرغب في الاتحاد مع الاحتفاظ بشخصيته واستقلاله المتميز، ثم قال: هناك رغبة قوية من جميع الأعضاء في تذويب كل الخصائص التي تتمتع بها المجتمعات الخليجية في بوتقة واحدة كي تتفاعل اقتصاديا وثقافيا وسياسيا في ديناميكيات المجلس الموقر. والكونفيدرالية في القاموس السياسي هي اتحاد دولتين أو أكثر تكون له هيئة مشتركة تشرف على حكومات الدول المتعاهدة دون أن يكون لها شخصية دولية أو سلطان مباشر على الحكومات الداخلة في الاتحاد، كما تحتفظ كل دولة بشخصيتها الدولية كاملة وبكامل سيادتها في الداخل والخارج، ومن أبرز الأمثلة على الكونفيدرالية اتحاد الدول المستقلة (الاتحاد السوفياتى السابق)؛ أما الفيدرالية فهي اتحاد بين دولتين أو أكثر، حيث تحتفظ الحكومات المركزية بسلطات أساسية مثل حق تقرير السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية والسياسة الاقتصادية تاركة للدول التي يتألف منها الاتحاد نوعا من الاستقلال الذاتي في سائر الشؤون الداخلية؛ وأهم ما يترتب على قيام الدولة الفيدرالية أو الاتحاد تنازل الدول الأعضاء عن سيادتها الخارجية وفقدانها شخصيتها الدولية؛ ومن أبرز الأمثلة على الدولة الفيدرالية الإمارات والولايات المتحدة. أعود مرة أخرى إلى الحلم الذي كان يراود أول أمين لمجلس التعاون الخليجي عبد الله بشارة؛ وكانت التحديات ضد دول المجلس لم تصل إلى مستوى الغزو المسلح؛ ولكن حينما وصلت التحديات إلى مستوى الغزو المسلح كالغزو الغاشم، الذي قام به الرئيس صدام حسين ضد الكويت العزيزة؛ فإن كل التحفظات التي كان بشارة يطرحها أمام مشروع الاتحاد الخليجي قد تلاشت. وما أود أن أضيفه الآن هو أن الرغبة في الكونفيدرالية اتسعت، ولم تستثنى أي دولة من الدول الست التي لا ننكر أن بعضها كان يتردد في اتخاذ الخطوة الاتحادية الطموحة. إن الأسباب التي أدت إلى اجتماع دول مجلس التعاون الست في عام 1981 والاتفاق على قيام المجلس.. هي الرغبة ذاتها التي تدفع جميع دول مجلس التعاون الآن إلى اتخاذ قرار بإشهار الاتحاد الكونفيدرالي الذي كان حلما وأصبح اليوم ضرورة تقتضيها التحديات والمستجدات التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط بعامة ومنطقة الخليج بصورة خاصة. والواقع أن مجلس التعاون استطاع طوال ما يقرب من 30 عاما أن ينفذ مجموعة من المشاريع الضرورية لقيام اتحاد كونفيدرالي ناجح بين دول تجمعها الكثير من القواسم المشتركة. وإذا كانت التهديدات الإيرانية هي التي دفعت دول الخليج إلى الاجتماع في عام 1981 والإعلان عن تأسيس مجلس التعاون الخليجي؛ فإن التهديدات الإيرانية الحالية نفسها هي التي تدفع دول الخليج إلى سرعة اتخاذ قرار بتطوير المجلس من مجلس تعاون إلى اتحاد كونفيدرالي يعبر عن ست دول تتعاون اقتصاديا وثقافيا؛ وتتعاهد عسكريا وسياسيا لتحقيق أعلى درجات الدفاع المشترك. ويجب أن ندرك أننا إذا استعرضنا الحكومات الإيرانية الحديثة المتعاقبة، فإننا نلاحظ أن ""إيران أحمدي نجاد"" أسوأ بكثير من ""إيران الشاه"" رغم أن الشاه كان يجاهر بعدائه لكل دول الخليج العربية. ولكن حكومة أحمدي نجاد أضافت إلى مجمل الخلافات بين إيران وجيرانها العرب إعادة توظيف الخلافات المذهبية التاريخية في قوالب جديدة تهدم كل أسوار العلاقات الودية. ويبدو من قراءة الأحداث الساخنة في محيط الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن حكم الملالي دخل في المرحلة الأخيرة من نظرية الدورات التاريخية، وهي مرحلة الشيخوخة، حيث إن نظرية الدورات التاريخية تقول إن الحضارات والدول تمر بالمراحل نفسها التي يمر بها الإنسان، أولها مرحلة الولادة ، فمرحلة الشباب والازدهار، ثم مرحلة الشيخوخة. بمعنى أن حكومة الملالي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقترب من نهايتها وأن إيران مقبلة على مرحلة من مراحل انقلاب الحكم من المحافظين إلى الإصلاحيين الذين سيأخذون إيران إلى مرحلة التصالح مع المجتمع الدولي. إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حينما يطلق الدعوة إلى الاتحاد الخليجي؛ إنما يطلق هذه الدعوة في الوقت المناسب؛ ويجب أن يعرف الطامعون بأن دول الخليج اليوم ليست كما كانت بالأمس؛ فالدول الخليجية يتم تسليحها بأحدث أنواع الأسلحة ويتم تجهيزها لخوض أعتى المعارك وهي جاهزة لتحقيق واحد من أقوى الاتحادات الكونفدرالية في العصر الحديث.