أجمل الصلوات كانت خلف الإمام الكردي وهو يقرأ في صلاة المغرب آخر سورة النحل (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). لقد حفظت هذه الآيات من فم الإمام. أما الإمام الثاني خلف الجسر فكنت أسمع له بعد صلاة العشاء وهو يقرأ سورة تبارك في كل ليلة. كنت أسبّح مع الطير وهنّ صافات، وأرتعش أن يصبح الماء غوراً فمن يأتيكم بماء معين. كثيراً ما بكيت مع القراءة. أما سورة المؤمنون فحفظتها في قبو المخابرات العسكرية في القامشلي، حين اعتقلت لمدة أسبوعين، وكنت استعد لفحص البكالوريا قبل دخول الجامعة. أما سورة مريم فحفظتها بعشق وأنا طالب في الصف الثامن وأنا أتمتع بطابعها الحزين الخاشع. يقول سيد قطب في كتابه التصوير الفني في القرآن إن لكل سورة طابعاً وشخصية. أما سورة فصلت فكان مفروضاً علينا حفظها في الصف التاسع، وكان الأستاذ «الباني» يكرر علينا فهم آية (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم). أما سورة آل عمران فحفظتها مع نسمات الصبح بجنب المسجد الكبير. أما جزء الذاريات فكان نصيبي منها وأنا أقرأ في كتاب قصة الإيمان لنديم الجسر. هذه المرة بدأت الحفظ مع محاولة تفكيك النص القرآني لفهمه. آيات مملوءة بالحماس والإنشاد والموعظة لتنتهي السورة بروعة من الروعات (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) وهو ما أدعوه لزوجتي الراحلة أن يجمعني بها في مقعد صدق. أما سورة الواقعة فما زلت أذكر وأنا أشرحها لقريبي في دمشق زياد (أصبح جراح عظام) وأذكر نهايتها (روح وريحان) تلك التي رواها الشيخ محمد الحامد عن منام جمعه مع حسن البنا وهو يتلو هذه الآية. لقد اجتمعت بهذا الرجل التقي في مسجد مضايا فتناقشنا حول مفهوم الألوهية والربوبية حيث كنت أشرحها للناس بعد الصلاة. سقى الله تلك الأيام العطرات. أما السورة الأخيرة التي حفظتها فكانت سورة يونس، مع صديقي المهندس حسان جلمبو الذي قضى في سجن تدمر الرهيب. حفظت القرآن ولم أكن أقصد ذلك، ولكنها جاذبية القرآن التي لا تقاوم؟ وما زلت أغوص في لجج محيطه لقنص الدرر من الأعماق.