طفلان سوريان يجرّان عربة قمامة في أحد مناطق وادي البقاع (رويترز) بيروت – الشرق وزير الداخلية اللبناني شربل ل الشرق: تصرفٌ غير قانونيّ رؤساء بلديات يبررون الإجراء بمحاولتهم حفظ الأمن معاناة اللاجئين السوريين لن تتوقف في لبنان، أزمتهم ككرة ثلج، تكبر يوماً بعد آخر، يتوزّع هؤلاء على عشرات المناطق اللبنانية، يتداخلون مع الطوائف في بلاد الأرز، لكنهم يفتقدون لأدنى مقومات العيش، أصبحوا يُعامَلُون كمنبوذين، حتى إن معظم القرى أصدرت تعميماً يقضي بمنع تجوّلهم مساءً. باتت القاعدة أن يكون لجوء السوري إلى لبنان مصيبة، أما أن يكون لاجئاً سورياً وفقيراً فالمصيبة أعظم، كل المساعدات الإغاثية التي تُقدَّم للاجئين السوريين في لبنان لا يُعوَّل عليها؛ ليس لأنها دون المستوى المطلوب فقط، بل لإنه لا يصل منها إلا 50% فقط. ليس هذا فحسب، فالحكومة اللبنانية لم تجد بعد آلية للتعامل مع السوريين، سواءً كانت آلية أمنية لحصر ورصد أماكن وجودهم أو اجتماعية للوقوف على ما يحتاجون إليه من قوت يومي وغيرها من ضروريات الحياة. فضلاً عن ذلك، لم توفّر لهم الدولة مخيمات مجهزة تأويهم، كما أن المدارس التي افتُتحت لإيوائهم، أعاد القيّمون عليها طردهم منها بعدما افتتحوها لاستقبال التلاميذ. حظر «دخول» و«تجول» لم يكفِ اللاجئين السوريين كل ذلك، باتوا يواجهون نبذاً من البيئة التي احتضنتهم بداية وفتحت لهم أبوابها، صار هؤلاء يشعرون بالضيق منهم، لا بل ضيّقوا عليهم حتى في تحركاتهم. في بعض القرى، وُضِعَت لافتات تمنع دخول واستقبال الأجانب، والأجانب هنا لم يُقصد بهم الرعايا الأمريكيين أو الأوروبيين، يكشف رئيس بلديات إحدى القرى ل «الشرق» أنهم «السوريون والسريلانكيون والإثيوبيون». صار بعض اللبنانيين يتحدث عن ارتفاع معدلات الجرائم في ظل «تكاثر وجود الغرباء»، ومع تصاعد هذا الخطاب في ظل نزوح المواطنين السوريين هرباً من الصراع في سوريا، فرضت بلديات أخرى منع تجول على الأجانب القاطنين ضمن نطاقها. وبحسب المواثيق الدولية والمعاهدات التي وقّع عليها لبنان، يعدّ تقييد حرية التنقل مستنداً إلى التمييز ضد فئات معينة من غير المواطنين على أساس جنسياتهم، ممارسة عنصرية. رغم ذلك، أعلنت بلدية ك»بطشيه المرداشة»، الواقعة في قضاء بعبدا، منع التجول لكافة الأجانب القاطنين ضمن نطاقها يومياً من الساعة الثامنة والنصف مساءً وحتى فجر اليوم التالي «حرصا على حماية البلدة وأهلها». كذلك، حذت البلدة الجارة، «وادي شحرور»، حذو «بطشيه» بالذرائع نفسها، لم يقتصر الأمر على هاتين البلدتين، إذ ذهبت بلديات قرى قضاء زغرتا البالغة 24 قرية إلى الأسلوب نفسه، مانعة تجوّل «الغرباء». السوريون باتوا «غرباء» و«الغرباء» هنا مصطلحٌ يُقصَد به السوري، كذلك الأمر في طرابلس، قلعة السنة في لبنان، إذ قام رئيس البلدية، نادر الغزال، بإصدار تعميمٍ يُقيّد حركة السوريين في المدينة، لا سيما بعد سلسلة الحوادث التي شهدتها، كان آخرها عراكٌ جماعي بين عشرين لاجئاً وشبّان لبنانيين في منطقة المينا في طرابلس. لم يقتصر المنع على الشمال، في قرى الجنوب أيضاً وقع الأمر نفسه، وفي هذا السياق برر معظم رؤساء البلديات هذا التعميم، لما سألتهم عنه «الشرق»، بالقول «إن هذه الخطوات لحماية البلدات وأهلها». ولدى الاستفسار عن الجنسيات المعنية، أجمعوا على أنها موجهة خصوصاً للسوريين، ورأوا أن ذلك يدخل في إطار السلطة المحلية الممنوحة لهم، مطالبين القوى الأمنية بمؤازرتهم، ولم يكتفوا بذلك، بل كَثُر الحديث عن إجراءات تتخذها البلديات في مناطق لبنانية مختلفة بحجة «حفظ الأمن مع تزايد السرقات». في محافظة جبل لبنان، وتحديداً في المتن، عمدت بلدية بيت الشعار والحضيرة إلى تعليق لافتة في أحد شوارع البلدة تعلن فيها منع العمال الأجانب القاطنين فيها من التجوّل يومياً بين الساعة التاسعة مساءً والخامسة والنصف صباحاً. بلدية بسكنتا نشرت على صفحتها على موقع «فيسبوك» تعميماً يؤكد أنّها ستسيّر دوريّات ليلية في مختلف الأحياء، وستجري إحصاءً شاملاً في بداية كل شهر، وستفرض حظر تجوّل على السوريين بعد الثامنة مساءً بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، وقامت إحدى البلديات بتركيب كاميرات مراقبة على الطرقات، وقد سُجِّلَ عددٌ كبير من القرى البقاعية والجنوبية وبعض أحياء العاصمة وضواحيها فرض إجراءات مماثلة. بدوره، أكد وزير الداخلية والبلديات اللبناني، مروان شربل، في اتصالٍ مع «الشرق»، «لا قانونية هذا التصرّف»، مشيراً إلى أنه بحسب «قانون البلديات في لبنان لا يحق للبلدية، مهما كانت الظروف، التعرض للصلاحيات التي تمنحها القوانين لدوائر أمن الدولة كمنع التجول». خلفيات قديمة ولا تقتصر مشاعر العداء للاجئين السوريين على ممارسات البلديات، في هذا السياق، يقول الشاب كامل سعد من سكان الأشرفية: «حكمنا السوريون طوال 30 عاماً، فكيف يمكننا أن نحبهم؟»، وينقل سعد أن سكان الحي الذي يقطنه جمعوا نحو 60 توقيعاً مطالبين محافظ بيروت باتخاذ «التدابير الأمنية والقانونية اللازمة» بحق العمال السوريين الذين يُعتقد أنهم يشكّلون تهديداً للمنطقة، وعد شابٌ آخر أن «هذه الرسالة لتحذير السلطات من أنه في حال عدم تدخلها، سننظم أنفسنا ونحل هذا الوضع باللجوء إلى العنف». وتفيد التقارير الواردة من المديرية العام للأمن العام اللبناني بأن عدد السوريين تجاوز المليون نهاية الشهر الماضي، ويتوزع اللاجئون السوريون على معظم المناطق اللبنانية، الأغلبية الساحقة منهم تقطن شمالاً، فيما هناك عشرات الآلاف الذين نزلوا في منازل مستأجرة في الجنوب اللبناني، إضافة إلى ذلك، انتشرت عديد من العائلات السورية اللاجئة في المخيمات الفلسطينية. بادرة حل في مقابل القمع والتضييق الذي بات يقاسيه اللاجئون السوريون في لبنان، تلوح في الأفق بادرة أمل مع تولّي عدد من رجال الدين شخصياً توزيع المساعدات على المحتاجين. ويكشف الشيخ مازن محمد ل «الشرق» أنه فرّغ معه عدداً من المشايخ الذين تطوّعوا لتوزيع المساعدات على المحتاجين للحؤول دون سرقتها. الشيخ محمد تحدث عن تلكؤ الهيئة العليا للإغاثة السورية متحدثاً عن استنسابية في توزيع المساعدات الغذائية، وإذ أشار إلى أن حجم هذه المساعدات لا يتجاوز سلة غذائية واحدة شهرياً، كشف أنه حتى هذه يتم سرقتها بغرض التجارة. أطفال أسر سورية لاجئة في لبنان يلهون أمام خيام في وادي البقاع (رويترز)
لاجئ سوري في لبنان يفترش الأرض داخل غرفة متواضعة
أوضاع انسانية سيئة يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان (الشرق)