علي عسيري كل يوم بل كل لحظة وثانية ودقيقة تتطور الحياة التقنية وتزدهر مكوناتها الدقيقة بشكل مضطرب يثبت بما لا يدع مجالاً للشك في أننا مقدمون فعلاً على ثورة تقنية متسارعة ما بين اليوم والليلة، وتلك الثورة تعود أولاً وأخيراً لفضل الله وقدرته وحكمته وإرادته في تشغيل عقل الإنسان وفكره وقدرته وتفكيره في تسخير ذكائه ومواهبه وإبداعاته وتميزه لمصلحة البشرية ولخدمة بني البشر الذين يفرقون عن باقي المخلوقات بنعمة العقل والتفكير والذكاء. منذ فترة ماضية قريبة انتشرت في كل أرجاء الدنيا ثقافة التواصل الاجتماعي الإلكتروني، عبر النت وشبكات الاتصال المتطورة التي لم يعد يخلو منها أي بيت، وحيث إننا شعب متلهف وحماسي ومشدود لعالم التقنية الحديثة فقد كان مصيرنا مثل مصير بقية شعوب الأرض من حيث تسخير تلك الخدمات التقنية الحديثة للتواصل وفتح آفاق واسعة من الصداقات الرحبة الممتدة مع القريب وكذلك البعيد، ومن خلال تلك البرامج بنيت علاقة اجتماعية كانت في بدايتها صافية وشفافة وواضحة يغلب عليها طابع المجاملة والتقليد والتشبه بالآخرين دون إلمام بتبعات ونتائج وإفرازات قلوب أعضاء تلك القروبات تجاه بعضهم بعضاً وسلوكهم وتربيتهم وتصرفاتهم وكذلك أقوالهم وأفعالهم وكل تراكمات حياة الماضي الدفين، التي لم تكشف أسرارها وألغازها وغموضها وحقدها ورد دين أصحابها إلا عبر طرحها بشكل شبه يومي على صفحات التواصل الإلكترونية؛ لتصبح تلك القروبات ساحات حقيقية للحروب الطاحنة والمعارك الشرسة والقتال المستميت الذي يستمر حتى آخر رمق دون وجود منتصر وفائز نهائي في تلك المشاحنات والمطاحنات والسجالات؛ لتدق في نعش وَجثمان علاقة التواصل الاجتماعي مسامير أخيرة من مسامير الفرقة والبعاد وقطع سبل حلول الإصلاح بين المتخاصمين والأعداء الفرقاء، حتى لو كانوا من بطن واحدة وأم واحدة. اليوم دخل الأقارب والأصحاب والأحباب والأنساب والمعارف والزملاء في قروبات برنامج الواتساب، وغداً سوف يخرجون جميعاً من ذات القروبات وهم يحملون في نفوسهم تجربة فاشلة تعيسة ومظلمة تكشفت من خلالها سوء نية البعض تجاه بعضهم البعض وسوء تربيتهم السلوكية السابقة التي حانت لها فرصة رد الدين بالدين والاقتصاص من قهر وغلبة وظلم وقسوة وإساءة الماضي الأسود الدفين. قبل الرحيل فإن قروبات الواتساب هذه الأيام تعتبر شرخا غائرا وجرحا عميقا في جسد العلاقات الاجتماعية؛ حيث نصب كل عضو من أعضائها نفسه ليكون الناصح المفتي القدوة القاضي والحاكم والحكم والخصم الظالم وكذلك المظلوم، فغلبت على سلوكه وتصرفاته وردوده الثقافة الهشة المعتمدة على طريقة القص واللصق والنسخ والنشر والحكمة المقلوبة والنصيحة المحرفة والتوجيه غير السليم والحلول التي غالبها يصب في مصلحة مصالحه الشخصية البحتة، وكانت نتيجتها النهائية تصب في بوتقة الفرقة وقطع حبال الوصال والتواصل الاجتماعي المحفوف بمخاطر النوم على الجوانب المريحة دون التدخل في حياة الآخرين.