بعد التوقيع على اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس في القاهرة ، وما تلاه من اجتماعات وصفت بالإيجابية بين الطرفين ، توقع المراقبون أن تبدأ حركة فتح في إعادة بناء قدراتها ، وتنظيم هياكلها في قطاع غزة بعد أربع سنوات من تقييد عملها في ظل سيطرة حركة حماس على القطاع ، إلا أن جهود قيادات الحركة في قطاع غزة ما زالت تلتزم مكانها ، بسبب عمق أزمة الثقة بين كوادر حركتي فتح وحماس، وبطء تنفيذ ما اتفق عليه من جهة، والخلافات الداخلية من جهة أخرى ، ويأتي ذلك على حساب استحقاقات كبرى تنتظر الحركة ، يمكن أن تطيح بتصدرها للمشهد السياسي الفلسطيني للأبد إذا لم يتم الإعداد لها بالشكل المناسب. التقت “الشرق” مفوض العلاقات الوطنية لحركة فتح والمسؤول عن ملف العلاقة بين حركة فتح مع حركة حماس في قطاع غزة دياب اللوح، لاستشراف مستقبل الحركة في قطاع غزة ، خاصة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي اتفقت فتح وحماس على أن تبدأ في مايو المقبل ، فكان هذا الحوار: - العالم العربي يتغير بعد الثورات التي استطاعت تحريك المياه الراكدة ، هل حركة فتح بعد 47 من عمرها مقبلة أيضا على التغيير استجابة لمتطلبات المرحلة الحالية ؟ - بصراحة استفدنا من الربيع العربي وتأثرنا به في حركة فتح، فقد كانت الثورات العربية ، ولا شك خطوة رائدة في مجال الحريات والديموقراطية وإعطاء مساحة واسعة للتعبير، هذا أمر مهم ومشجع في التجربة العربية ، لقد سألنا أنفسنا في حركة فتح إلى أي جانب ننتمي ، إلى الشعوب التي قامت بالثورات أم إلى الأنظمة التي قامت عليها الثورات، ووجدنا أنفسنا نموذجا مختلفا عن هذا وذاك ، فنحن ثورة مستمرة في الأساس ، ولكن حركة فتح إن امتنعت عن التجديد فهذا يعني انكسارها ، وأمامنا تجربتان تجربة الاتحاد السوفيتي الذي رفض أن يجدد فانكسر وتشظى ، وتجربة الصين التي خاضت غمار مسيرة وثورة التوسيع والإصلاح التى تتضمن بين قوسين التجديد! ونحن في حركة فتح بالتحديد بحاجة الى التجديد وبحاجة الي ان نفتح الباب واسعا أمام الحريات والحوار الديمقراطي، وأن نعطي المساحة كاملة للتعبير عن الرأي ، وهذا يشرك الشعب الفلسطيني في صياغة واقعية ، وأنا أقول بصراحة بأن علينا أن نتعلم من الشباب الفلسطيني الذي خاض غمار تجربة الثورة ضد الانقسام منذ 15 من مارس 2011 ، لأن هذا الشباب لديه ما يقوله وهو قادر على المشاركة في صياغة واقعه ومستقبله بشكل وطني وديمقراطي ملتزم. - كيف يمكن لحركة فتح ان تعيد بناء نفسها في قطاع غزة في ظل الظروف الموجودة الآن؟ - الظروف الحالية صعبة جدا في قطاع غزة ، فالحركة محظورة كافة أنشطتها التي يمكن أن تقوم بها بشكل علني تماما ، ولا يستطيع كوادرها العمل بحرية ، فحركة فتح لا تملك أي مقر مفتوح لأعضائها أو جمهورها في قطاع غزة ، ونعمل فقط من منازلنا ، وبإمكانيات محدودة للغاية ، ولا تستطيع فتح تنظيم أبسط الفعاليات أو الأنشطة الجماهيرية ، وفي الوقت الذي جرى فيه الاتفاق في القاهرة على تفعيل المصالحة منعنا من إقامة احتفال بانطلاقة الحركة ، وتم اعتقال 350 من كوادرنا بعضهم قيادات ، وجرى التحقيق مع بعضهم على تهم غريبة منها حمل علم حركة فتح أو الاحتفاظ به أو امتلاك ملصقات وشعارات للحركة. وفي ذات الوقت لا نلجأ للعمل السري لأننا لا نواجه عدوا خارجيا ، لذلك فإن بناء الحركة من جديد في قطاع غزة هو أمر صعب في هذه الظروف ، ونحاول في حركة فتح أن نهيئ أسبابا يمكن أن نغير من خلالها هذا الواقع ، لنتمكن من إحداث التغيير المطلوب ، وحتى لا نضيع الوقت نسير بخطين متوازيين الخط الأول إتمام المصالحة الوطنية، وما اتفق عليه في اتفاق القاهرة لإنهاء الانقسام الفلسطيني ، وبالتالي ينعكس ذلك على منح فتح حرية الحركة في غزة ، والخط الثاني هو الاستعداد لإعادة بناء وهيكلة وتفعيل حركة فتح في قطاع غزة لنقوم بتنفيذه فور توفر الظروف الملائمة. - معنى هذا أن الصورة المتفائلة التي خرجت عن الحوارات المتتالية في القاهرة بين فتح وحماس ، و الاتفاقيات التي أعلن عنها ، لم تترجم على الأرض؟ - المتغير الوحيد الذي حصل خلال لقاءات القاهرة وأقولها بكل أمانة ، هي مصالحة على مستوى القمة بين القيادتين في فتح وحماس، ولكن حتى الآن نحن في فتح وأعتقد أيضا الإخوة في حركة حماس لم نتمكن من نقل هذه المصالحة من القمة إلي مستوى القاعدة من الكوادر المطلوب منها تطبيق المصالحة ، ففي فتح وحماس ما زالت المصالحة في طور المشروع وما زالت في طور الأمنية وطموح وطني فلسطيني ، صحيح أن الطرفين جادان وصادقان في إتمام هذه المصالحة لكن حتى الآن لم يتغير على أرض الواقع أي شيء بالنسبة لعمل فتح في قطاع غزة ، بما في ذلك السماح بالعمل في مقراتها أو فتح مقر منظمة التحرير الوحيد في غزة بل على العكس هناك إجراءات تلاحق أي نشاط تقوم به حركة فتح مهما كان هذا النشاط محدودا وصغيرا. نستطيع الحديث عن فجوة كبيرة بين النخبة السياسية في كلا الحركتين ، وبين من يطبقون على أرض الواقع ، وللأسف هذه الفجوة تزداد عمقا في ظل غياب الثقة بين جماهير الحركتين ، وفي بعض الأحيان انعدامها ، فمن السهل أن تتفق على إطلاق صراح المعتقلين السياسيين في اجتماع لقيادات الحركتين ، لكن تفاجأ بأن من ينفذون على الأرض يقولون إنه لا يوجد معتقلون سياسيون، وأن جميع المعتقلين جنائيين ، وهو ما يتكرر في قضية صرف جوازات السفر للممنوعين من الحصول عليها في قطاع غزة ، والسماح بالسفر لكوادر فتح من وإلى القطاع. - هل المسألة هي مجرد انعدام ثقة أم أن هناك أطرافا متضررة من المصالحة تحاول تعطيلها؟ - نعم للأسف الشديد هذا موجود على أرض الواقع ، بعض الأطراف من حركتي فتح وحماس متضررة من المصالحة ، وتسعي لتعطيل التقدم فيها ، لأنها مستفيدة من وجود الانقسام الذي حقق لها مكاسب على مستويات عدة طوال السنوات الماضية ، ولكن في الجانب الآخر للمرة الأولى هناك اتفاق على أعلى مستوى بين قيادات الجانبين على ضرورة إنجاح المصالحة ، وهذا ظهر جليا خلال لقاءات الرئيس محمود عباس وخالد مشعل الأخيرة في القاهرة ، والتي بدا فيها لأول مرة وجود حجم كبير من الاتفاق والتفاهم، وهذا الأمر يمكن الجانبين من تخطي عقبات من يحاولون تعطيل المصالحة. - نلاحظ اهتماما مصريا بالتدخل في أي مشكلة طارئة بين طرفي اتفاق المصالحة لحلها ، كما حدث مع معتقلي حركة فتح بسبب ذكرى الانطلاقة ، كيف تنظرون لهذه الفعالية في الدور المصري؟ - بصراحة شديدة الظروف التي تمر بها مصر تجعل الوسيط المصري غير مستعد لتحمل أي فشل جديد في عملية المصالحة الفلسطينية ، لذلك هم يبذلون جهودا مضاعفة ومتواصلة من أجل إنجاز المصالحة على أرض الواقع، ونحن على اتصال شبه يومي مع الأخوة في مصر، وحتى أصدقك القول نحن في فتح ننظر منذ البداية بإيجابية الي الموقف المصري من الوساطة للمصالحة، أما حركة حماس فكانت تشك في مصداقية الموقف المصري قبل الثورة، لكنها غيرت من نظرتها بعد الثورة. - اتفقت حركتا فتح وحماس على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في شهر مايو القادم ، ما هي التجهيزات التي تقومون بها في حركة فتح داخل قطاع غزة استعدادا لهذا الاستحقاق؟ - هذا هو موضوع الساعة في حركة فتح داخل قطاع غزة وخارجه ، وبحثنا هذا الأمر في اجتماع قيادة الحركة في قطاع غزة الأخير، وشكلت لجنة برئاسة رئيس دائرة الانتخابات المركزية في الحركة من أجل البدء في الإعداد لهذه الانتخابات، ويمكن القول إننا أشعلنا الضوء الأحمر منذ أكثر من شهر، ولكن تواجهنا تحديات كبيرة بعد سنوات من تقييد عملنا في قطاع غزة، فنحن بحاجة لاستكمال السجل الانتخابي للحركة ، وتشجيع أبناء فتح للتسجيل في هذا السجل ، ونحن عازمون أن نربط بين العضوية في حركة فتح ، وبين امتلاك العضو لبطاقة انتخابية ، فكل عضو في حركة فتح ملزم بأن يحمل بطاقة انتخابية حتى لا يتكرر ما حدث في المرة السابقة، فعشرات الآلاف من أعضاء فتح لم يحصلوا على بطاقة انتخابية، وتسبب ذلك مع عوامل أخرى في خسارة الحركة للانتخابات وهو ما لا نريد تكراره. - هل فكرتم في الجديد الذي يمكن أن تقدمه حركة فتح للشعب الفلسطيني خلال حملة الانتخابات القادمة ليصوتوا لحركة فتح ؟ - هذا السؤال مهم ومطروح أيضا على الطاولة ويناقش بشكل جدي في حركة فتح ، وحتى الآن الإجابة عليه غير متوفرة بشكل كامل ، لكننا في الحركة لدينا مشروع وطني سياسي متمسكون به من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، نحن ماضون في تقديم هذا البرنامج، وسوف نقوم بعمل كل ما يلزم من النشاط السياسي والدبلوماسي والمقاومة الشعبية من أجل إنجاح هذا المشروع، ونتحدث بلغة واحدة صريحة وصادقة مع شعبنا الفلسطيني. والمرحلة التي نمر بها مرحلة حساسة في عمر القضية الفلسطينية ، ونعتقد أن الفصائل الأخرى تقترب كثيرا من هذا البرنامج ، وبخاصة حركة حماس ، وإن لم نكن قد أقمنا دولتنا حتى الآن ، ولم نطبق برنامجنا بالشكل الكامل لكننا حققنا نجاحات سياسية وإقليمية ودولية وأعتقد أن الأجواء الدولية مهيأة للتعاطي مع الدولة الفلسطينية على حدود 67 أكثر من أي وقت مضى. - هل يقلق حركة فتح هذا التقارب في التفكير السياسي مع حركة حماس التي بدأت تتحدث علنا عن قبولها بدولة على حدود 1967؟ - على العكس هذا الأمر غير مقلق لأن حماس اقتربت من البرنامج السياسي لحركة فتح ، ونحن نعمل ضمن حدود أن السياسة هي فن الممكن ، والممكن في هذه المرحلة هو إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة دون جندي إسرائيلي ، ولا مستوطن على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 ، وهذا ثابت وطني وثابت سياسي والإخوة في حماس اقتربوا من ذلك ونحن سعداء في هذا الشأن لأن هذا يعزز الشراكة التي تحدث عنها الرئيس مع السيد خالد مشعل في القاهرة. - الرئيس عباس طلب من حركة فتح ترشيح شخص آخر للانتخابات الرئاسية فهل توافقتم في حركة فتح على مرشح جديد ؟ - حتى هذه اللحظة الرئيس عباس هو مرشح حركة فتح الوحيد للرئاسة ، وهذا الرأي الذي تتبناه اللجنة المركزية لحركة فتح ، والأغلبية في فتح ترى أن الرئيس عباس ما زال في إمكانه أن يلعب دورا مفصليا في مسيرة الشعب الفلسطيني فهو لكل الفلسطينيين وليس لحركة فتح فقط. مفوض العلاقات الوطنية في حركة فتح دياب اللوح