يبدو أن الخرطوم، عاصمة اللاءات الثلاث، تصنع الحدث السياسي مجدداً هذه الأيام، ليس فقط لأن الرئيس السوداني عمر البشير قرر العفو عن المعتقلين السياسيين، ولكن لأن الجدل يتصاعد بين أحزاب خارج السلطة بشأن دعوة النظام لحوار سياسي يحقق وفاقاً وطنياً وإجماعاً على دستور سوداني جديد كبديل لدستور 2005 الذي عبر عن روح اتفاقية سلام نيفاشا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. ويشير تباين آراء المعارضة تجاه دعوة الحوار إلى أن فريقاً منها يرى أنه مازالت هناك إمكانية لخلق حالة سياسية تسمح بإجراء إصلاحات تتعلق بملفات وقف الحروب وتغيير الحكومة وإطلاق الحريات. وينتظر هذا الفريق إشارات من المؤتمر الوطني الحاكم تفيد بجديته وتثبت أنه لا يمارس المناورة السياسية لإطالة أمد بقائه في السلطة وكبح جماح الساعين إلى إصلاحات. وتعكس دعوة البشير للحوار مع المعارضة حتى المسلحة منها، وتزامن ذلك مع تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية مع دولة جنوب السودان، ميل الخرطوم للتهدئة ولتقليص الصراعات الداخلية والخارجية، وهو اتجاه يبدو منطقياً في ظل مواجهتها تحديات اقتصادية وتنموية كبيرة وضغوطات دولية. ويمكن للمشير عمر البشير أن يدخل تاريخ السودان من الباب الواسع قبل ترك السلطة في إبريل 2015 لو قاد عملية التوافق الوطني في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلاده ووطّأ لدستورٍ جديد ينهي سنوات من النزاعات ويؤمِّن مستقبل الممارسة السياسية بعيداً عن هبّات الربيع العربي غير مأمونة العواقب كما رأينا في دول أخرى في منطقتنا. إن البعد عن النزاعات التصادمية ل «صقور» الحزب الحاكم والجنوح للتعامل مع المعارضة من مبدأ الشراكة الوطنية يعد خطوةً مهمة تُحسَب للجناح المعتدل في الحزب.