من أشهر القصص التي يستدل بها في مجال الحكمة والموعظة الحسنة، قصة الشاب الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: ائذن لي في الزنا، فزجره الصحابة وهمّوا به، فنهاهم النبي عن ذلك وقرّبه منه ثم تناوله بحسن القول وجعله يستشعر قبح ذلك الفعل بأسلوب فريد، فوضعه في موضع الضحية: أترضاه لأمك أترضاه لأختك أترضاه لبنتك.. إلى آخر الحديث، لا شك أن هذا الأسلوب النبوي قد جمع بين الرفق وبين الفطنة، فأعطى مفعولاً عجيباً في قلب الشاب، إذ الكلام الصادق يجد طريقه إلى القلوب الصادقة، والنصيحة الخالصة لوجه الله المتبعة لهدي رسول الله تلقى القبول عند المتلقين. المزعج في الأمر أن جملة «أترضاه لأختك» صارت تُكرر في كل موضوع يتعلق بالمرأة حتى استُهلكت، وخبا بريقها، سمعناها في مواطن مضحكة تدل على جهل القائل وقلة فقهه حيث يحاول تمرير رأيه الذي لا دليل عليه، بأسلوب عاطفي يستدرُّ به الغيرة الشخصية وكأنها هي المقياس الشرعي، وأذكر أنَّ أحدهم بعدما قرأ مقطوعة أدبية غزلية كتبتُها، استنكر ما قرأه فقال لي أترضاه لأختك؟ قلت نعم، فانقطعت حيلته. إن أسلوب «أترضاه لأختك» أسلوب إقناع يهدف للتذكير بمبدأ «أحب لأخيك ما تحب لنفسك»، واستعماله مرهون بالنظرة (الاجتماعية) ولذلك لا يتعلق به التحليل والتحريم، فالنبي صلى الله عليه وسلم استعمله للتنفير من الزنا المحرم شرعاً المستنكر اجتماعياً ولذلك أثمر الأسلوب، ولكن من المعاصي ما لا يعتبره المجتمع خزياً ولا عاراً كالزنا عند الرجل الغربي فلو سألته أترضاه لأختك لقال نعم، فهل يكون الزنا بذلك جائزاً؟ طبعاً لا، كما أن من المباحات الشرعية ما يعتبره المجتمع خزياً وعاراً مثل سواقة المرأة عند بعضهم، أو تصريحها بطلب الزواج، فهل يؤثر عدم رضاه لأخته هنا في تحريم وتحليل ذات الفعل؟ بالطبع لا، بل أزيد: إن هناك أموراً مستحبة شرعاً تعتبرها بعض المجتمعات خزياً وعاراً كالنظرة الشرعية إلى المخطوبة، فقد لا يرضاه الرجل لأخته ومع ذلك لا يمكن أن نقول بحرمته، وأشد من ذلك أن الخزي والعار في المجتمع قد يمتد ليعطّل بعض الحقوق الواجبة بنص القرآن كمنع الأنثى من الميراث لأن الذكر «لا يرضاه لأخته» فهل لرضاه قيمة؟ بل هو كالزبد يذهب جُفاء. ولعلي أستأنس هنا بموقف شهير ذُكر عن المحدث الكبير محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله الذي قال عنه الشيخ ابن باز رحمه الله: «ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من الشيخ ناصر الدين الألباني» كان الألباني يحمل لواء القول بجواز كشف المرأة لوجهها قبل أربعين عاماً، وقامت بينه وبين مشايخ نجد مناظرات ومكاتبات حول كشف الوجه، ومع شدة انتصاره لقوله بجواز الكشف إلا أنه كان لا يسمح لزوجته ولا لبناته بذلك، ويقول: لا أعمل بهذا القول ليس لأنه محرم بل لأني لا أريده، لكن أبيّن أنه جائز لئلا يُنكر على من يفعله، فهذا الإمام يقول بقولٍ هو لا يرضاه لزوجته ولا لبناته، ومع هذا لم يتردد في نشره والاستدلال له من الكتاب والسنة، فأين ذهب الذين يستدلون علينا ب»أترضاه لأختك» ليلاً ونهاراً ويوزعون الخزي والعار على أهوائهم؟ أوردتُ هذه الكلمات لأنبّه إلى أننا إذا سمعنا من يصف مارآه في «أروقة فندقٍ» ما بقوله «إنكم لا ترضونه لأخواتكم» فلا يعني هذا أنه رأى منكراً عظيماً – كالزنا – وشرب الخمر، قد يكون رأى منكراً صغيراً – ومعلوم تقسيم المعاصي في الشرع إلى كبائر وصغائر – بل قد يكون رأى أمراً جائزاً لكنه لا يرضاه لأخته بسبب عادات قبيلته أو مدينته وتقاليدها، فمحاولة فرض رأيه بهذه الجملة سذاجة وضعف موقف، ولا يكون موقفه مقنعاً لمجرد نطقه لهذه الكلمات بأسلوبٍ وعظي وخَطابي مؤثر، وأنكى من ذلك لو كان قد اعتدى على أشخاصٍ معروفين بأوصافٍ لا تليق، وجعل تبريره: «أترضونه لأخواتكم» ظناً منه أنه بذلك قد احتمى بالشرع المطهّر، والشرع مطهّر منه. لا شك أنَّ اتباع النهج النبوي من الأمور العظيمة التي ينبغي على كل مسلم الالتزام بها ولكن هذا الاتباع يجب أن يكون على بصيرة و فِقه، لا على حماس أجوف وجهل، وأما من جمع بين الجهل وبين التَّترُّس بالدين لتمرير أخطائه والتهرب من التراجع عنها، فهذا والله هو «الخزي والعار».