اطلعت على مقطع مسجل في (اليوتيوب) أثار إعجابي كثيراً لما يتضمنه هذا المقطع من حس وطني كبير، فوددت التنويه عنه، ومدة هذا المقطع عشر دقائق، وهو للداعية الشيخ وليد السعيدان بعنوان: (إنكار المنكر ومراعاة المصالح والمفاسد)، وقد تحدث فضيلة الشيخ في رده على سؤال أحد الحاضرين عن إنكار المنكر، وقال ما مضمونه: إن فئات المجتمع تختلف في نوعية الإنكار، بدايةً من العالم وطالب العلم والعامة من الناس، فلابد من مراعاة المصالح ودرء المفاسد، فلا يصح تغيير المنكر بأنكر منه، ولا أن نتجاوز الحكم على السلوك إلى اتهام النيات في ذلك. وقد كانت رؤيته واضحة فيما ذهب إليه، بأن المجتمع ينقسم إلى ولاة وعلماء، وطلاب علم، وعامة؛ فكل قسم يختلف في إنكاره للمنكر عن غيره، وجاء ضمن حديثه: أنه لا بد من مراعاة مصالح الناس، فكيف يُطالب الناس بتغيير المنكر بطريقة أسوأ وأغلظ؛ فيختل بذلك الأمن، وتضيع السبل، وتدب الفوضى؛ حيث يصدق عليه القول «أراد أن يبني قصراً فهدم مِصراً»، وركز في كلامه على أنه يجب أن يكون للعلماء دور كبير في المجتمع، ولابد أن يكونوا هم الواسطة بين الناس والحكام. ويقول أيضاً: يَحرمُ إنكار المنكر إذا أدى إلى ما هو أنكر منه، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ حيث إن أهل السنة والجماعة متفقون على حرمة الخروج على ولي الأمر المسلم؛ لأن ذلك سوف يؤدي إلى دمار الأمة، وإراقة الدماء، وانتشار الفساد وضياع الحقوق، وانتفاء العدل، وإهلاك الحرث والنسل من جراء ذلك. إن المصالح العامة لا تُحفظ إلا باستقرار المجتمع وبقيام ولي الأمر عليهم، والخلاف بأنواعه شر، ووبال على الأمة، خصوصاً خلاف بعض أفراد الشعب مع ولاته لشعور بظلم، أو لأغراض أخرى؛ فهذه من أعظم الفتن التي تؤدي إلى دمار الأمة، وخلخلة المجتمعات. إننا لو تتبّعنا الأحداث التاريخية الماضية لوجدنا أن إراقة الدماء وقتل الأنفس لم يكن إلا بسبب الخروج على الولاة، أما الخلافات الفكرية والاجتهادات الفقهية فإنها لم تصل إلى حد إراقة الدماء؛ لقد كان الفقهاء والعلماء يعالجون خلافاتهم بالحوار، والجدل فيما بينهم؛ لذلك خلاصة القول: إن طاعة ولي الأمر المسلم واجبة لمراعاة المصالح العامة للأمة؛ واتقاء الفتن التي تفسد بها الحياة، وينهار بسببها استقرار المجتمعات. مَن يستمع إلى هذه المحاضرة يشعر بالحس الوطني في توجيهاتها من قِبل هذا الشيخ؛ إنها نموذج مشرّف للعمل الدعوي الواعي المخلص، ونحن بحاجة ماسة إلى مثل هذه المحاضرات التي تُنير عقول شبابنا، وتهديهم إلى سبيل السلام، وتوضح لهم الطرق السليمة لكي يسلكوها وهم مطمئنون أنهم على الطريق الصحيح، خلاف آخرين يمارسون عبر توجيههم، أو تغريداتهم تهييج الرأي العام، وبث الفوضى الفكرية؛ وإن كان من منطلق الوطنية والإصلاح. إن المحافظة على السلم الاجتماعي، وتماسك النسيج المجتمعي هو من أهم المكونات التي يجب أن نحرص عليها، وألا نفتح الباب للأعداء والمتربصين بنا بأن ينخروا في وطننا أو يطعنونا ونحن لا ندري، خصوصاً في مثل هذه الأيام التي تموج بالفتن والاضطرابات وغيرها. إن مجتمعنا السعودي، كما هو معلوم لدى الجميع، ذو تكوين متنوع، وفسيفساء متعددة النزعات والتلونات، ولو حدث شيء – لا قدر الله – فسوف يغرق المجتمع في فوضى قبلية ومناطقية ومذهبية وتصنيفات فكرية، وهذا ما شدني إلى هذه المحاضرة، التي أتمنى من الجميع سماعها واستيعابها وبثها؛ بسبب ما نحن بحاجة إليه من تكاتف وترابط فيما بيننا، ليتلاحم نسيجنا الاجتماعي المتنوع، ومن ثم نحافظ على المكتسبات الوطنية الكبرى؛ وهي هذا الكيان الموحد الذي يحتضننا جميعاً، وكذلك سيادة الشريعة ومرجعيتها التي نحتكم إليها اليوم، وهذا يدفعنا إلى القول: إن الوطن يجب ألا يكون عرضة لمغامرات فكرية أو مذهبية، بل يجب أن يبقى خطاً أحمر يرتفع فوق كل الاعتبارات والقضايا الأخرى. والتجارب والأحداث التاريخية، سواء كانت من داخل الإطار الإسلامي أو حتى من الحضارات الأخرى، قدمت للعالم دروساً جلية بأن طريق النهضة والتقدم هو الذي يمر عبر التنمية والإصلاح الهادئ المتزن والمبني على أولويات متفق عليها للوطن وأهله، وكذلك مستمد من منطلقات هذه الأمة الشرعية والوطنية والثقافية، وأن يعمل الجميع على تحمل مسؤولياته كاملة كلٌّ في موقعه، متذكرين أن مشروع الوحدة العظيم الذي بناه أجدادنا تحت راية المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله – أمانة في أعناقنا جميعاً، يجب المحافظة عليه، وتفويت الفرصة على أعدائنا المتربصين بنا. وختاماً فإن تقويض المجتمعات وهدمها من أشد المنكرات؛ لأن الهدم أسهل من البناء، وإشعال الفتن والحروب أسهل من إخمادها، وضياع الأمن والأمان في المجتمعات هو نهايتها وزوالها، ولنا فيما يجري من حولنا، من قتل وتشريد ودمار وهلاك للنسل والحرث، أكبر درس وعظة.