الفقير الذي يشتري ورقة يانصيب في رواية لتورجنيف يستمع إلى المذيع الذي يقدم الأوراق الفائزة، والجائزة ضخمة جداً. والورقة تحمل عدة مجموعات من الأرقام، والفوز هو للورقة التي تحمل المجموعات هذه كلها.. والمذيع يذكر رقماً. والرجل يقفز.. الرقم كان على تذكرته.. ورائحة الثروة تهب من بعيد.. وكأن الرياح هذه تمثل دخاناً كان يغطي عينيه فالرجل.. وفجأة ينتبه إلى بؤس غرفته التي كان يعيش فيها.. والمذيع يقدم الرقم الثاني والرجل يقفز وفجأة ينتبه إلى أن زوجته قبيحة شرسة، ويتعجب كيف احتملها كل هذا الزمان! والمذيع يذكر الأرقام.. ومع كل رقم عيون الرجل تنتبه إلى شيء بشع في حياته لابد من تغييره.. والمذيع يذكر الرقم الأخير.. ليس مطابقاً.. الجائزة اختفت.. لكن مشاهد القبح والتعاسة التي تنكشف لعيون الرجل تبقى في ذهنه ويخرج ساخطاً إلى الطرق. و(شتاينبك) الأمريكي يكتب عن صياد يعثر على قطعة ضخمة من الماس.. والرجل يجد من المطاردة ما يجعله يعود ويُلقي بقطعة الماس في البحر.. لكن دول العالم الثالث التي تجد الثروة تحت قدميها تجعلها لعنة الثروة، تبحث عن وسيلة لتلقي بها في البحر.. وتعجز. والكنغو ما يشعل النيران فيها من نصف قرن هو الثروة.. العراق.. ودول.. ودول.. والسودان الآن ما يبعث النيران فيه هو وجود ثروة هائلة تحت الأرض، ووجود ثروة أكثر خطورة فوق الأرض. آبار النفط صنعت جنون الجنوب.. ومناجم الذهب تصنع جنوناً الآن في أنحاء الشمال.. لكن الجنون الحقيقي الذي يقترب.. هو شيء يجعل ما يجري حتى الآن رياحاً خفيفة. الجنون القادم هو اكتشاف اليورانيوم من هنا واكتشاف أعشاب تتصل بعلاج السرطان وأمراض أخرى من هنا.. ولا شيء في العالم يصنع الثروة المجنونة مثل صناعة الدواء.. أقدام السودان الحافية تتقافز الآن للابتعاد عن ثعابين كثيرة تطل من الشقوق.. والله يستر!