في كتاب ترجع بعض فصوله إلى 90 عاماً، يتوقف عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين أمام قضايا يبدو بعضها معبراً عن المشهد المصري حالياً، وهو يناقش مفهوم الدولة والدستور وثقافة رجال الدين، وعلاقة الدين بالفلسفة، وطبيعة مجتمع ما بعد الثورات، فيلاحظ مثلاً انتشار الأغاني الفكاهية والمسرح الهزلي عقب ثورة 1919، وقبل كتابة دستور 1923، وكان المحافظون والحريصون “على الآداب العامة ينكرون هذا الفساد ويشفقون منه، وكنا نقول إن هذا الانحلال الخلقي عرض من أعراض الثورة”، حيث مرت الثورة الفرنسية 1789 أيضاً بمثل هذا اللهو لكي يحتمل المواطنون أعباء الحياة. كما يلاحظ أيضاً أن “حياتنا الدستورية” صرفت الناس عن اللهو “وأزالت عن شفاهنا هذا الابتسام للحياة ذلك، لأننا اعتقدنا يوم نفذ الدستور وأشرف البرلمان على الحكم أن الأمر قد رد إلى أهله”، مضيفاً أن الحياة تكون أكثر ثراء وخصباً وإنتاجاً حين تكون فيها مساحة للهو. وفي الجزء الأول من كتابه “من بعيد”، وهو عمل غير مشهور صدر عام 1935، وأعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة بمصر نشره في الآونة الأخيرة، يحتفي بالفنون، ويخصص فصلاً عن الممثلة الفرنسية سارة برنار (1844-1923) التي رحلت قبل وصوله لباريس بأيام، ويعتبرها “أحسن سفير نشر الدعوة الفرنسية في أقطار الأرض، وأحسن تمثيل للعقل الفرنسي والفن الفرنسي والأدب الفرنسي، حتى قرنها كثير من الكتاب إلى نابليون… خدمت فرنسا ورفعت ذكرها إلى حد لم يبلغه كثير من قوادها الفاتحين”. وفي فصل عنوانه (بينيلوب)، يتناول تحايل تلك الزوجة على من أرادوا أن يحلوا مكان زوجها الغائب أوليس الذي استغرقت رحلة عودته إلى بلاده إيثاكا 20 عاماً كما كتب الشاعر الإغريقي هوميروس في (الأوديسا). ويشدد على أن الفن عجيب في قدرته على “خلق ما لم يوجد”، ومقاومته للفناء بدليل “فناء الأمة اليونانية”، في حين بقيت ملحمة هوميروس خالدة. والكتاب الذي صدر في سلسلة (ذاكرة الكتابة) هو فصول كتبها المؤلف خلال رحلاته إلى مدن أوروبية بين عامي 1923 و1930، ويقع في 222 صفحة كبيرة القطع تشمل مقدمة للكاتب المصري طلعت رضوان قال فيها إن المؤلف يدافع في هذا الكتاب عن “المفهوم العلمي لمعنى الدولة في العصر الحديث” ضمن سعي الليبراليين في تلك الفترة لترسيخ دعائم الدولة العصرية. وطه حسين (1889 1973)م أول من حصل على درجة دكتوراة تمنحها الجامعة المصرية عام 1914، وفي العام نفسه سافر إلى فرنسا لدراسة العلوم الاجتماعية والفلسفية، ونال درجة الدكتوراة من جامعة السوربون عام 1918 في الفلسفة الاجتماعية لمؤسس علم الاجتماع عبدالرحمن بن خلدون، ثم تولى تدريس التاريخ والأدب بالجامعة المصرية منذ عام 1919، وأصبح عام 1930 عميداً لكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن). وفي فصل عنوانه (شك ويقين)، يرجع إلى عام 1923، يدعو فيه إلى فضيلة “الترجيح”، وأن ننزه القرآن ونرفع “الدين ونصوصه عن اضطراب العلم وتناقضه”، حيث إن الدين مطلق ثابت، والعلم نسبي متغير. القاهرة | رويترز