تتحدث التقارير والمقالات عن احتمال لجوء نظام بشار الأسد لضرب المعارضة المُسلَّحَة بالكيماوي. وهذا قد جاء على لسان اللواء متقاعد عدنان سيلو، الذي وصف أنواع الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها نظام الأسد منذ خمسة أشهر، وأطلق صافرة الإنذار حول هذا الفعل الانتقامي المُتوقَّع. في الواقع، إنَّ مثل هذه الضربة لن تكون مُوجَّهَةً للمعارضة، بل ستكون ضربةً قاتلةً لكل سوريا، ولن تسلمَ من أضرارها الدول المجاورة. هذا التصرف الأهوج مُتوقَّعٌ من زمرة مجرمة لا يعرف قاموسُها سوى لغة التآمر والقتل والدم، ولا تملك من الوطنية الحقة ما يجعلها تترك الشام بدون إحداث الدمار. لا يمكننا في عجالة أن نحصي عدد الزعماء والقادة – عبر التاريخ – الذين اختاروا الرحيل بهدوء عندما رأوا أنَّ الأمور لا تسير في صالحهم، وأنه لا يوجد لهم في مستقبل الأيام سوى السواد. إلا أنَّ هذا النظام كان يستشعر منذ البداية بُعْدَه عن سوريا وعن السوريين، كان دائماً نظاماً شاذاً غريباً مختلفاً، كنبتة زُرِعَت قسراً في أرض لا تناسبها. وهذه النبتة الشاذة تعلمُ في قرارة نفسها أنَّ وقت الأكاذيب قد انتهى، وأنها سوف تُقتلَع لا محالة ولا شك، وأنها سوف تُرمَى بعيداً. هذه النتيجة قد أصبحت واضحةً للعيان، حتى لمن لا يملك العيون. مازال هناك بقايا أمل في رجالات الجيش السوري الذين اختاروا أن ينساقوا خلف هذا النظام؛ لأنَّهم يعلمون علم اليقين أنَّهم لو لم يسيروا خلفَه طواعيةً وأن يقتلوا أبناء وطنهم تحت رايته؛ فإنَّ الاستخبارات المُجرمة ستلقي القبض عليهم وتسحلهم وترمي عائلاتهم في السجن حيث يلاقون أشدَّ العذاب والهوان. إلا أنَّ القضية الآن تجاوزت حدود ذلك كله. فمنذ أن وصلت شحنات أسلحة حرب البلقان إلى أرض سوريا في الأشهر الأخيرة، وهي أسلحة متقدمة تشمل صاروخ الكتف المضاد للطائرات، ومنذ أن رأينا المقاومة تُسقطُ طائرات الأسد، منذ أن بدأت هذه الصور في الظهور بدأ شعور النظام حقيقة أنَّ نهايتَه قد باتت قريبةً. فانتصاراته تقلُّ وانتصارات المقاومة تزيد منذ سقوط الرقة، منذ شعور الرجال الأحرار بلذة النصر. كل هذا يدفعُ الأسد وحزبه إلى الشعور بأنَّ الحبل قد التفَّ حول العُنق، ومثل هذا الشعور قد يؤدي لانتقام على طريقة شمشون، وأداته الغاز الكيماوي. أعتقد أنَّ الجيش السوري الذي سار في ركاب الأسد خلال الفترة الماضية مُطالبٌ الآن أكثرَ من أيِّ وقت مضى بأن يكون له موقف يكفّر به عن ذلك الانضواء الخاطئ تحت راية المعتدي، حتى وإن كان في هذا الموقف ما فيه من المخاطرة. المعركة لم تعد في الأطراف كما كانت عند اندلاع الثورة، بل وصلت دمشق. وهذا لا معنى له سوى أن نظام بشار الأسد مهزومٌ لا محالة، وكل مَن وقف معه سيقدم للمحاكمة لا محالة إن لم يسقط قبل ذلك. وليس لمن يرجو أن يكفِّر عن خطيئته في هذا الاصطفاف مع المجرمين إلا أن ينقذ سوريا والسوريين من الدمار بالسلاح الكيماوي قبل فوات الأوان، ومهما كانت التكاليف.