كتبت ذات يوم مقالاً عن الصالونات الأدبية، وقلت إنها ليست بدعاً عند الأدباء، فهي قديمة قدم التاريخ، وعرجت باختصار على تاريخها في العصور المختلفة، منذ نشأة الأدب حتى اليوم، واستعرضت أشهر الصالونات الأدبية في العصر الجاهلي والعصرين الأموي والعباسي، وعصور النهضة، وصولاً إلى العصر الحديث، ولم أتوقف عند الصالونات الرجالية التي تسيدت المشهد الأدبي والثقافي، بل تحدثت عن أشهر الصالونات النسائية القديمة، واستعرضت الصالونات الأدبية في السعودية، وتوقفت عند الصالونات الأدبية في منطقة جازان، وهو مشروع بحث أقوم بإعداده منذ فترة، ولم التزم بتاريخ محدد لهذا المشروع على الرغم من نصيحة أحد الأحباب بأن أحدد تاريخاً وأتوقف عنده، وأعد ما بعده مرحلة أخرى، وعلينا أن نحصر الصالونات الأدبية والثقافية في جازان خلال فترة محددة منذ نشأتها حتى التاريخ الذي نتفق عليه، ولكنني رأيت أن أجعل المجال مفتوحاً، رغبة مني في الاستزادة، وطمعاً في تحريض أدباء المنطقة ليتبنوا مشاريع أدبية، ويفتحون صالونات ثقافية لإثراء الحراك الأدبي والثقافي والاجتماعي في منطقة غنية بمواردها التراثية، والثقافية، والأدبية، والتاريخية، والاجتماعية. عندما كتبت عن (خميسية الموكلي)، كنت حتى تلك اللحظة لا أعرف شيئاً عن اثنينية الزاهد النعمي، وحين نبهني الزميل الأديب العباس معافا الذي (يوشك أن يعود) وهو أحد المداخلين في ذات الصباح الذي نشرت فيه مقالتي تلك، فرحت جداً بهذا المولود الأدبي الجديد، ولم يمض أسبوع واحد إلا وكنت أحد الحاضرين في مقر الاثنينية قرية (أبوالقعايد) التابعة لمركز بيش بمحافظة صبيا، حيث وجدت شباباً متحمساً، وعقولاً نيرة، وجهوداً متميزة، وتخطيطاً منظماً، ولكل هذا بالتأكيد ستكون النتائج مثمرة، تجيء كما نتوقعها من فعل مميز لشباب مميزين مثل: الزاهد الأمين، ومحمد حيدر مثمي، ومحمد الزبيدي، وزملائهم في الفعل الثقافي. بنهاية الأسبوع الماضي تكون إثنينية الزاهد قد أمضت عاماً كاملاً، حيث تم افتتاحها مساء الإثنين26/4/1433ه بحضور كوكبة من الأدباء في باكورة نشاطها الذي كان للتعريف بالإثنينية في محورين مهمين أولهما: الاثنينية رؤية مستقبلية، وتحدث المحاورون عن الأهداف والطموحات، والحرص على تقديم ما من شأنه الاستمرارية لهذا الصالون، والمحور الثاني هو الإعلام وأهمية الدور الذي يلعبه في المنطقة، والحث على الاستفادة من تقنيات العصر الحديث، والمواكبة لكل جديد، واختتم اللقاء بملخص لأهم الرؤى والأفكار، وعديد من الاقتراحات والتوصيات التي يؤخذ بها في البرامج والأنشطة المستقبلية. هذا الصالون البكر الذي أمضى عامه الأول، ماذا قدم خلال مسيرته؟ وماهي البرامج والأطروحات التي من خلالها نستطيع أن نحدد هويته؟، وكيف أسهم في الحراك الأدبي والثقافي في المنطقة؟، وكيف يتم اختيار الضيوف والمحاور؟، وغير ذلك مما نريد أن نسلط عليه الضوء في هذه المقالة. فقد توالت الأنشطة الثقافية موزعة بين الأمسيات الشعرية والندوات الثقافية، حيث أقيمت خلال موسمها الأول أمسيتان شعريتان، الأولى للشاعر محمد النعمي، والثانية للشاعرين إبراهيم صعابي، وعلى رديش، مع قراءة نقدية للأستاذ نايف كريري، وأقيمت ندوة لتكريم الدكتور إبراهيم النعمي حول رسالته للدكتوراة التي كانت بعنوان (نصر أبوزيد ومنهجه في التعامل مع التراث)، وحظيت هذه الأمسية بمتابعة كبيرة من طلابنا المبتعثين، الذين كانت مداخلاتهم ثرية وعميقة. ومن البرامج التي قدمتها الإثنينية (الوحدة الوطنية خيارنا الأوحد – ونصرة رسول الله، وطلابنا والاستثمار الأمثل)، وحظيت بمتابعة من كبار الأدباء والمثقفين في المنطقة، على أمل أن تتوسع دائرة الاستضافة مستقبلاً لتشمل جميع أنحاء الوطن. اللافت جداً أن الإثنينية استفادت من العنصر النسائي بشكل مدهش، فلا أعرف من قبل صالوناً أدبياً تشكلت فيه لجان نسائية لتمارس دورها التثقيفي في منطقة ما، وفي إثنينية الزاهد تم تشكيل لجنة نسائية برئاسة الأستاذة نجاة خيري عضو مجلس أدبي جازان المستقيلة لتقوم مع هذه اللجنة بتهيئة بيئة ثقافية نسائية ملائمة لحركة المثقفة والمبدعة بما يتلاءم مع كينونتها الدينية والنفسية والاجتماعية، والثقافية، ولهذه اللجنة رسالة واضحة عبرت عنها بوضوح اللائحة التأسيسية، حيث ذكرت أنها تطمح في مثقفة فاعلة وإيجابية تعمل على دفع العجلة التنموية الثقافية وتشق طريقها بنور فكرها إلى آفاق بعيدة، وقد قدمت نشاطاً مميزاً، وننتظر نشاطات أخرى أكثر فاعلية، فهي قادرة على تقديم ما لم يستطع تقديمه الآخرون، في نشاطها الأول قدمت اللجنة النسائية أمسية عنونت لها بعنوان: (خنساء الجنوب) وقدمت خلالها سبع شاعرات من بنات الوطن، ومازال في برامجها المستقبلية ما يشجع على الاستمرار. إثنينية الزاهد النعمي أنموذج رائع للصالونات الأدبية المنظمة في أعمالها التثقيفية، ومشاريعها التي رسمت خطوطها العريضة لائحتها التأسيسية، ولا يخالطني أدنى شك في نجاحها في المواسم الثقافية القادمة، كما نجحت في موسمها الأول.. من القلب أهنئ الزملاء في (أبوالقعايد)، وأهنئ جازان بهذا الفعل الثقافي، وأهنئ الوطن بهذا الاهتمام الجميل بالتراث والثقافة والأدب من قبل الأفراد الفاعلين.