عاصم الدسوقي القاهرة – رويترز يرى الكاتب المصري ” عاصم الدسوقي ” أن العنف السياسي يرتبط بالإحباط العام، ويأس القوى السياسية من تحقيق أهدافها بطرق قانونية ودستورية. وفي دراسة عنوانها “العنف السياسي في مصر”، يستعرض العنف في مواجهة الاحتلال الأجنبي للبلاد، وفي الصراع بين القوى السياسية في النصف الأول من القرن الماضي ، وعودته في الآونة الأخيرة بسبب قيام كل طرف بإضفاء المشروعية على سلوكه. ونجحت الاحتجاجات الشعبية قبل عامين في إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك. ويقول الدسوقي، وهو مؤرخ بارز متخصص في التاريخ المعاصر الاقتصادي والاجتماعي ، إن العنف السياسي الحالي تمارسه “مجموعات تدافع عن الثورة التي لم تتحقق أهدافها وترفع شعار (الثورة مستمرة).. وأخرى تدافع عن السلطة التي اعتلت الحكم باسم الثورة، وترفع شعار (حماية الشرعية)”. وفي يوم الجمعة 25 يناير الماضي الموافق للذكرى السنوية الثانية لاندلاع الانتفاضة ضد مبارك ، شهدت شوارع وميادين مصرية ظهور أعضاء جماعة “بلاك بلوك” التي تبدي معارضة شديدة لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي. وتنشر دراسة الدسوقي غداً الأحد في مجلة (المجلة) الشهرية التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب التابعة لوزراة الثقافة. ويضم العدد الجديد دراسات، منها (الانفلات وثقافة العنف) لأسامة عفيفي رئيس تحرير (المجلة)، و(المفكرون وثورة يناير) لأكرم خميس، و(النخبة المصرية بين اليسارية الطفولية وقصر النفس البرجوازي الصغير) لأسامة فرحات، و(سيرة المائة شخص في شخصية واحدة اسمها أسمهان) لطارق هاشم. ويقول الدسوقي ، إن مصر شهدت في مايو 1883 بعد ثمانية أشهر من الاحتلال البريطاني تكوين “جمعية الانتقام”، وكانت تهدف لإجبار المحتل على مغادرة البلاد، وأصدرت منشورات وأرسلت خطابات للمسؤولين تحذرهم من التعاون مع الاحتلال ، وكان بعضهم يقوم “بقتل أي عسكري إنجليزي يتصادف مروره بأي شارع” واكتشف أمرهم في الشهر التالي، وقدموا للمحاكمة في قضية قيدت بعنوان “المؤامرة الوطنية المصرية”. والعنف السياسي الذي يستهدف في ظاهره أجانب يمثلون الإحتلال ربما يكون نوعاً من تصفية الحسابات بين الخصوم السياسيين. ويقول الكاتب ، إن دستور عام 1923 لم ينص على حق العمال في تكوين النقابات، وكان الأغنياء يتحصنون في جمعيات لحماية مصالحهم، منها (النقابة الزراعية المصرية العامة)، و(اتحاد الصناعات)، و(الغرفة التجارية)، وفي هذا المناخ ظهرت قوى جديدة تعتنق مبادئ سياسية مغايرة للمبادئ السائدة، وكونت ميليشيات من الشباب للدفاع عن مبادئها وإشاعتها بين الناس، فاصطنعت “القوة الحاكمة” مجموعة لمواجهة خصومها بالأسلوب نفسه. ويستشهد على ذلك بمجموعة “اليد السوداء” التي اغتالت عام 1924 السير لي ستاك حاكم عام السودان، وسردار الجيش المصري ، حيث سجلت بعض المصادر أن هذه المجموعة “تم احتضانها بمعرفة نشأت باشا رئيس الديوان الملكي الذي حرضهم على الاغتيال لإحراج سعد زغلول (أول رئيس حكومة تشكلت بناء على الدستور) الذي كان يصارع الملك فؤاد بشأن الحقوق الدستورية، ونجحت العملية في إجبار زغلول على الاستقالة”. ويعلق قائلاً ، إن المجموعة التي نفذت الاغتيال “لم تكن تعرف حقيقة الهدف”، وأقدمت على ذلك بدافع وطني لإرغام البريطانيين على مغادرة البلاد. ويسجل الدسوقي ، أن الثلاثينيات شهدت تأسيس فرق ارتدى أعضاؤها قمصاناً مميزة ، فأحمد حسين كون جمعية (مصر الفتاة) عام 1933، وفي العام التالي ارتدى أنصاره القمصان الخضر، وكان متأثراً بالزعيم الألماني أدولف هتلر “حيث نراه يؤلف كتابه (إيماني) على شاكلة كتاب هتلر (كفاحي) وصك شعار (مصر فوق الجميع) مثل شعار هتلر (ألمانيا فوق الجميع)”. ويضيف ، أن مهمة أصحاب القمصان الخضر كانت فض اجتماعات القوى الأخرى ، وأنه بعد صدور مرسوم ملكي عام 1938 يحظر أي جمعية لها تشكيل عسكري أسس حسين (الحزب الوطني الإسلامي) فخرج منه المسيحيون “بطبيعة الحال”، وبعد اعتقال الشيوعيين المصريين ومحاكمتهم عام 1946 غير اسم الحزب عام 1947 فأصبح (الحزب الاشتراكي)، وأنه بتلك التحولات كان “يخدم القصر الملكي ويحقق توازنات” بين جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الشيوعية. ويقول الكاتب ، إن حسن البنا الذي أسس عام 1928 جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية ، ثم انتقل بها للقاهرة في نهاية 1932، أسس في بدايات عام 1933 فريق الجوالة واختار لهم ارتداء قميص لونه “كاكي.. وتم تدريبهم على استخدام السلاح وفض الاجتماعات المعادية”، وبعد المرسوم الملكي عام 1938 الذي حظر الجمعيات التي لها تشكيلات عسكرية سارع البنا إلى ضم الجوالة إلى (جمعية الكشافة الأهلية) فلم يطبق عليها مرسوم الحظر. ويضيف ، أنه من هذه الجمعية تشكل عام 1942 (النظام الخاص) الذي تولى محاربة “المنكر” وتصفية المناوئين لأفكار الجماعة، ومن أبرز عملياته “اغتيال القاضي أحمد الخازندار 22 مارس 1948، لأنه أصدر حكما بالسجن على الإخوان الذين هاجموا الجنود الإنجليز في ملاهي الإسكندرية والذين ألقوا قنابل على محلات اليهود… واغتيال محمود فهمي النقراشي رئيس الحكومة 28 ديسمبر 1948″ بعد 20 يوما من قراره إغلاق المقر العام للجماعة في القاهرة. ويقول ، إن النقراشي قرر إغلاق مقر الإخوان رداً على “تورط الجماعة في العمل السياسي المباشر لتحقيق مجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بعد أن تجاوزت مرحلة الدعوة إلى التحرك من أجل إقامة الحكومة الإسلامية.” ويضيف ، أنه في مواجهة نشاط جوالة الإخوان، وقمصان مصر الفتاة الخضر، شكل حزب الوفد فرقة من الشباب يرتدون القمصان الزرق عام 1934 “وتولى هؤلاء إفساد اجتماعات خصوم الوفد وحماية اجتماعات الوفد من أية اعتداءات بنفس الوسائل التي كان أصحاب القمصان الأخرى يستخدمونها”. ويقول إنه في ظل تشكيلات العنف تأسس الحرس الحديدي بهدف حماية الملك فاروق وتصفية أعدائه. والحرس الذي لم يكن له زي مميز ضم عسكريين ومدنيين منهم حسن التهامي وأنور السادات الذي صار رئيساً للبلاد عام 1970. ويضيف ، أن الحرس الحديدي الذي اغتال عدداً من الشخصيات ، حاول اغتيال زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس “أكثر من مرة. ومن عمليات هذا الحرس الأخيرة التفكير في اغتيال اللواء محمد نجيب بعد فوزه برئاسة نادي الضباط ضد مرشح القصر حسين سري عامر”، لولا نصيحة أحد ضباط الحرس لنجيب أن يذهب لتجديد الولاء للملك. ويسجل ، أن رجال الحرس الحديدي كانوا حين يتلقون أمراً بتصفية أحد ينطلقون في سيارة جيب سوداء لا يخترقها الرصاص ثم يعودون بسرعة “في حماية القانون إذ كانت التعليمات صريحة بعدم تعرض رجال الأمن والمرور في الشوارع للعربة” التي كان ظهورها يعني تنفيذ عملية اغتيال. ويقول الدسوقي إن الميليشيات، باستثناء الحرس الحديدي، تكونت من طلبة وعمال حرفيين وعاطلين “بلطجية” وإنها ظلت تختفي ثم تظهر إلى أن عادت “مع ثورة يناير 2011 لتصطدم مع القوى الإجتماعية كافة تحت راية الشرع والشريعة والشرعية، فانطبق عليهم قول ابن سينا قبل قرون: بلينا بقوم يظنون أن الله لم يهد سواهم”. القاهرة | رويترز