ارتبط اسم الفنان المخضرم، مطلق الدخيل، بتاريخ الأغنية المحلية، كملحن ومطرب ومطور للأغنية الأحسائية، فبعد أن كانت تعتمد على العود والإيقاع طوَّرَها بإدخال جميع الآلات الموسيقية الحديثة. في هذا الحوار مع «الشرق»، يتحدث الدخيل عن طفولته، وعلاقته بالأغنية، وعن أمنيته التي لم تتحقق منذ ستة عقود بوجود معهد للموسيقى في المنطقة: * عرفك الجمهور باسم مطلق الدخيل. ما سبب عدم ذكر اسمك الصريح طوال هذه السنين؟ - هذا اسم فني، وسهل الحفظ والنطق، بدل الاسم الطويل الذي لا يخدم الفنان. أول الطفولة * عشت طفولة من الحرمان والفقر. هل طلب صوتٌ داخلَك ترجمة هذه المعاناة في ألحانك؟ - منذ طفولتي وأنا أردد بعض الأغاني لا شعورياً، وكل موهبة تبدأ في الطفولة. في طفولتي، كنت أردد بعض ما كنت أسمعه من النهامنين والبنائين الخليجيين في ذلك الوقت. * أول لقاء فني لك كان مع الفنان المرحوم خليل الرشيد، عندما كنت طفلاً قبل أكثر من ستين سنة. - أخذني والدي معه إلى منزل الرشيد، وكانت أول مرة أرى فيها آلة العود التي أدهشتني. * متى كان ذلك اللقاء؟ - في عام 1368ه. * فنان يكره البوح منذ طفولته، كيف أظهر بوحه لعوده؟ - من صفاتي أنني لا أحب الحديث كثيراً، لكنني مع العود الخاص بي أترجم كل أحاسيسي وآهاتي. * في عام 1377ه، عملت في السلك العسكري، ويبدو أن هذا العمل له فضل في اكتشاف الفنان، مثلك مثل الفنان جميل محمود، فهل هناك رابط بين العسكرية والفن؟ - لا يوجد رابط، أو علاقة بينهما. وأنا أنسى موهبتي الفنية عندما أذهب إلى العمل، ولا أفكر إلا في إنجاز عملي. شارع الموسيقى * شارع المدير في الأحساء كان مشهوراً ببيع الآلات الموسيقية وأسطوانات الموسيقى العربية والأجنبية في تلك الفترة. عندما تتذكر ذلك المكان، ما أبرز ما يخطر في بالك؟ - هذا الشارع يحمل كل معاني الفن، وكانت فيه محلات التسجيلات الموسيقية، ولن تكون مصادفة إذا سمعت من المارة أغنية من هنا، أو هناك، أثناء عبور الناس بابتسامتهم الجميلة البسيطة. * وقعت عقد احتكار مع محلات العبندي في تلك الأيام، حيث سجلت عدداً كبيراً من الأغنيات التي كان يقوم بنسخها في اليونان. هل كان الإقبال على أسطوانات الغناء كبيراً في تلك الفترة؟ - الإقبال كان كبيراً، وأغلب الأغنيات التي سجلتها في ذلك الوقت حققت انتشاراً كبيراً ونجحت. * ماذا تذكر من تلك الأغنيات التي سجلت في تلك الفترة؟ - أذكر (القطار، والبعد بعد القلوب، وأسهر مع التفكير، وإن كنت مسافر ياخي). فرقة هجر * بعد مشاركتك في حفل الأهالي الذي أُقيم بالهفوف بمناسبة زيارة الملك سعود، يرحمه الله، قدمت أغنية وطنية بعنوان «سلامي أيها الملك العظيم» عام 1380ه. ماذا تذكر من هذا المشروع الذي شاركت في تأسيسه؟ - كان حلماً راودني في ذلك الوقت لإنشاء أول فرقة في محافظة الأحساء، وهي «فرقة هجر»، وكانت تضم مجموعة من فناني الأحساء الذين أذكر منهم: عبدالله العماني، وعبدالعزيزالتمار، وصالح العسوم، وسعد الصفران، ومبروك التركي. * ما سبب وصفك للقانون بأنه سيد الآلات الموسيقية؟ - لأنه آلة شرقية تمتلك كل مقومات الفن الشرقي. * حدثنا عن أول آلة قانون اقتنيتها. - كانت من أحد أصدقائي، جلبها لي من لبنان. تليفزيون أرامكو * الأغنية الأحسائية كانت تُغنَّى على آلة العود والإيقاع فقط، لكنك قمت بتحديثها وتطويرها بإدخال معظم الآلات الموسيقية الحديثة، هل تعتبر نفسك مؤسس الأغنية الأحسائية الحديثة؟ - نعم، ففي ذلك الوقت لم يكن للطموح حدود، لتقديم ما هو جديد لمجتمع وأهل الأحساء، وهذه كانت بالنسبة لي نقلة كبيرة، بأن أكون أول شخص يهتم في طرح فرقة موسيقية تقدم الأسلوب الطربي الجميل، باختلاف ما هو موجود في الساحة في ذلك الوقت. وأحمد الله أن وفقنا لإنشاء فرقة كانت الطليعة الأولى لتقديم مشاركات في تليفزيون أرامكو في الظهران، وبها نلت شرف أن تكون الفرقة محل الثقة في هذا الوطن، وبعدها أصبح عدد من الفنانين يتهافتون لغناء الأغنية الأحسائية، كطاهر الأحسائي، وعبدالله بوخوة، وعبداللطيف الحمد، وغيرهم. * في منتصف الثمانينيات الهجرية سافرت إلى بيروت كأغلب الفنانين الذين رحلوا إلى هناك في تلك الفترة، لإحياء حفلات، وعدد منهم غنَّى مع الفنانة صباح. لماذا لم تغنِّ معها؟ - في الحقيقة، لم تسنح لي الفرصة أن ألتقي بها في ذلك الوقت. * أغنية «تاه الود» سجَّلها لك تليفزيون الدمام، واعتبرها البعض أغنية الموسم. ما سبب الشهرة التي حققتها هذه الأغنية؟ - تم تصويرها في تليفزيون الدمام، وتسجيلها في لبنان، ولاقت نجاحاً كبيراً، وكانت نقلة رائدة بالنسبة للفن في المنطقة. وأتمنى من تليفزيون الدمام أن يحافظ على مثل هذه الأعمال التي تمثل تاريخ المنطقة الشرقية والمملكة. * لك تعاونات مع الفنانين رابح صقر، وعادل الخميس، وحسين القريش، لماذا لم تستمر هذه التعاونات مع فناني الجيل الذي بعدك؟ - المشكلة عند الفنانين الذين لا يسعون لطلب الألحان. وبعد هذا العمر الطويل، لا يمكن أن أركض وراءهم، والمفروض هم من يبحث عن الطرب الأصيل، وعن تراثهم، كجزء لا يتجزأ من فن المنطقة. * امتاز أسلوبك الفني بالسلاسة اللحنية، وجزالة الجمل الموسيقية، وتصاعد الكوبليهات، ما سر تمسكك بهذا الأسلوب؟ - كل فنان له لون خاص به، والناس هي التي تقيم ما أقدمه. * على الرغم من أنك تعاونت مع تليفزيون الدمام منذ تأسيسه وبداياته، إلى أن ذلك توقف. وحسب علمي، فإنهم لم يقوموا بتسجيل أعمالك كأرشيف. - هنا، أود شكر إذاعة «صوت الخليج» في قطر، الذين قاموا بزيارتي مع الفنان إبراهيم حبيب، لكي يؤرشفوا كل ما قدمته في الساحة الفنية. وأتمنى من الإذاعة والتليفزيون السعودي أن يكونوا على نهج دول مجلس التعاون في أرشفة كل فنَّاني المنطقة، وخاصة المملكة، فهذا تاريخ وجزء من حضارة البلد. * كرمت في مهرجان «الرواد العرب» تحت مظلة جامعة الدول العربية، وجمعية الثقافة والفنون بالأحساء. مع ذلك، ألا تتفق معي أن تقدير الفنانين ضعيف على المستوى المحلي؟ - أتفق معك، وأتمنى على من يعملون في الإذاعة والتليفزيون أن تكون لهم صلة بالفن، وهذا تخصص يجب أن يحرص عليه الإعلام السعودي. وكما يقول المثل «أعط كلَّ ذي حق حقه» في كل مجال. * ألا يزال حلم تأسيس معاهد موسيقية يراودك؟ - كنت أحلم أن تكون لدينا معاهد موسيقية لتعليم النوتة الموسقية وقراءتها وكتابتها، فتعليم المقامات يفيد حتى المستمعين، وليس الموسيقيين فقط. وكما تعلم، هنالك أصوات نسمعها نشاز تعكر صفو الأذن، لكن لو تعلم صاحب الصوت الجميل المقامات فستكون النتيجة رائعة. وهذه مهمة معهد للموسيقى يعلم الشباب والموهوبين الموسيقى، ليصقلوا مواهبهم بالعمل، والنتيجة حتماً ستكون إيجابية؛ فبالعلم والثقافة يرتقي الوطن. أتمنى أن يحدث هذا في أقرب وقت ممكن لكي نمثل وطننا بثقافتنا الموسيقية، كونها جزءاً من تراثنا الجميل. * سار ابنك الملحن إبراهيم الدخيل على نهجك، وصنع له اسماً فنياً. ما رأيك فيما يقدمه؟ - إبراهيم قدم أوبريت بعنوان «الحمد الله»، من كلمات الأمير الشاعر خالد بن سعود الكبير، بمناسبة شفاء سيدي خادم الحرمين الشريفين، وهذا العمل وسام على صدري وصدر ابني إبراهيم، والعمل عُرض على جميع القنوات الفضائية. وإضافة إلى الأوبريت، هنالك أعمال عديدة متميزة قام بتلحينها، وشهادتي فيه وفي أعماله مجروحة. الدخيل يقرأ «الشرق» (تصوير: علي الإبراهيم)