هل تحتضر سوريا وهل ستلفظ أنفاسها الأخيرة؟ أهي مشاهد مصرع ووفاة بلد بأكمله أم ماذا؟ إنَّ حالة التدهور والانهيار التي تجتاح سوريا تهدِّدُ الشرق الأوسط برمَّته، فعلى دول العالم الخارجي الإسراع والتحرك الفوري لإنقاذها قبل فوات الأوان. فهل من مُغيث؟ اسألوا التاريخ، تقطَّعَت سوريا إرباً إرباً في عهد الدولة العثمانية وإمبراطوريتها إبَّانَ الحرب العالميَّة الأولى، ولكنَّهَا العضو الحيُّ الذي تبقَّى ونجَا من جسد الذبيحة، ونالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، والآن هي جريحةٌ تنزف وتعاني من جرَّاء الصراعات الدامية والحرب الضارية التي تدور رحاها اليوم، فهل ستفقد كينونتها وماهيتها في ممارسة دورها كدولة كبرى في قلب بلاد الشام؟ تراقب دول العالم من بعيد الأحداث الدامية في سوريا، هذا البلد الممزَّق المفكَّك الواقع بين تركيا ولبنان والأردن والعراق وإسرائيل. ولعلَّ نظام بشار الأسد ينهارُ قريباً من جرَّاء الفوضى التي تعمُّ البلاد، فهو أكبر ميليشيا في أرض الميليشيات. فمن المرجَّح بعد زوال النظام أن تقع سوريا فريسةً لزعماء الفصائل المتناحرة والأحزاب المتنازعة، ناهيك عن عصابات البلطجة، فهل ستصبح صومالاً جديدة؟ وهل سيتعفَّن جزءٌ من قلب بلاد الشام؟ وإن حدث ذلك، ستدمَّر حياةُ الملايين، وستنشأ وتشتعل الصراعات العالمية العنيفة في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن ازدياد الحركات الإرهابية. ويكمنُ الخطرُ الأشدُّ في أسلحة الأسد الكيميائية، التي يمكن استغلالُها واستخدامُها أسوأ استخدام إذا وقعت في أيادٍ غير أمينة. وحينئذ ستؤثر هذه الكارثة على العالم أجمع. وما يدعو للغرابة هو الموقف الأمريكي إزاءَ هذه الأزمة؛ فأمريكا تقفُ عاجزةً ولا تحرِّك ساكناً. والمؤسف في هذا الصراع هو قدرة الرئيس بشار الأسد على إقناع العلويين بمنطقه الشيطاني وزجهم في الدفاع المستميت إلى النهاية عن نظامه؛ خوفاً من السقوط الذي سيؤدِّي إلى دائرة الانتقام الشنيع، فأصبح الشعارُ المرفوعُ «أنا ومِن بعدي الطوفان». ويستند الأسدُ في معركته الحالية إلى إيران وروسيا والعراق وحزب الله الشيعي، حيث يمدونَه بالأموال والأسلحة والمشورة. وعلى الرغم من ذلك، فهو متيقِّنٌ في قرارة نفسه أنَّه لن يكسب هذه المعركة، ولكنَّه يتبع سياسة «النَّفَس الطَّويل» تفادياً للسكتة القلبية التي ستصيبُه يوماً ما. والعجيبُ أنَّ الأسد ونظامه لا يأبهون لدماء السوريين التي تسيل في شوارع سوريا، حيث وصلت أعداد الضحايا ما يقارب سبعين ألفاً، وعشرات الآلاف من المفقودين، وحدِّثْ ولا حرجَ عن المشرَّدين. وهل عدم التدخل والمراقبة من بعيد ضربٌ جديدٌ من ضروب السياسة الأمريكية؟ وهل تعتزمُ أمريكا الوجودَ في سوريا إثر سقوط نظام الأسد؟