واجهت هيئة المحكمة الإدارية بجدة، أمس، موقفاً حرجاً حين وجدت نفسَها حائرةً بين اتهامين متناقضين لأمين سابق لجدة ووكيله ومدير سابق للصيانة والتشغيل، ما استدعى تدخُّلَ المحامين للمطالبة بالالتزام بما ورد في لائحة الاتهام. فبعد أن أثبت المتهمون أنَّه لم يكن هناك مجرى سيل في المخطَّط موضع الاتهام، ما فنَّد اتهامهم بالسماح بالبناء في مجرى السيل، تحوَّل مسار الاتهام إلى سؤال محدد «إذا لم يكن هناك مجرى سيل، فلماذا منعوا المواطنين من البناء؟» والإفراج عن أراضٍ موقوفة تقع في موضع مجرى السيل المزعوم، ما بدا مؤشراً على تذبذب منحى الاتهام بما قد يسقطُه. وأسفر دمج قضية مدير الصيانة والتشغيل مع قضية الأمين السابق ووكيله فيما يتعلق بمخطط المساعد عن ظهور تناقض في أقوالهم بشأن ما تمَّ تقديمُه حول مجرى السيل، وما إذا كان دراسةً أم فكرة. ومثل أمين سابق لجدة أمام المحكمة أمس مكرراً إنكاره للتُّهَم الموجَّهَة إليه بشان مخطط المساعد، مؤكداً أنه لم يسمح بالبناء في مجرى السيل؛ لأنَّه لا يوجد أساساً مجرى للسيل، ما أوقعه في اتهام معاكس بعدم السماح للمواطنين بالبناء إذا لم يكن هناك مبررٌ لذلك المنع، كوجود مجرى للسيل. ومن ثمَّ رد الأمين موضحاً أنَّ القِطَعَ التي كان البناء فيها موقوفاً قليلة، أما المباني المُقامَة في الموقع نفسه فتزيد عن 27 منزلاً. وقال: إنَّ موافقتَه كانت مشروطةً بتنفيذ مجرى لتصريف الأمطار. وحول ما ورد في اعترافه بأنَّ وكيلَه ضلَّلَه، قال: إنَّ مَن ضلَّلَني هو المحقق الذي قدَّم لي خطاباً لم يسمح لي بقراءته، زاعماً أنَّ الوكيل يتهمُني في ذلك الخطاب، وقال: إنَّ جميع ما وقَّع عليه من اعترافات في التوقيف والتحقيق كان تحت الإكراه. وواجهت المحكمة الأمين بتهمة تلقي رشوة خمسة ملايين ريال من المتهم الثاني، وهو رجل أعمال، لكنَّه نفَى الاتهام، مبيِّناً أنَّ المبلغ كان مساهمةً وليس رشوة، نافياً مسؤوليته عن السماح بزيادة الأدوار في مخطط محل الاتهام، وكشف أنَّ الوزارة هي مَن وافقت على ذلك بعد دراسة قُدِّمَت من الأمانة، وأنَّ الموافقة حصلت بعد خروجه من الأمانة. وردَّ المتهم الثاني على رئيس المحكمة معاتباً على ترك البينات والخوض في الشبهات. وقال: إنَّ المساهمةَ واضحةٌ، سواءً في قيمة مبالغها أو شيكاتها وكيفية دفع الأرباح فيها بعد 12 عاماً تلت مغادرة الأمين للأمانة. وقال إنه ساهم في المخطط ب 50 مليوناً، وأن صاحب المخطَّط يملك شركة عقارية مشهورة وهو مَن طلب السَّمَاح برفع الأدوار وليس له علاقة بذلك. ورد القاضي بأنَّ المتَّهَم الثالث، الذي لم يحضر لمرضه، سبق أن اعترف بأنَّ السماحَ بالبناء لزيادة الأدوار تأسَّسَ على رشوةٍ للأمين، فطلب رجل الأعمال من أن يوجَّه هذا السؤال إلى صاحب الشركة، وقال: إنَّ دوري هو البيع فقط ، نافياً حدوث أي تعامل مع الأمين إلا عن طريق المساهمة معه ومع مجموعة أخرى دخلوا في الأسهم التي حصل عليها عن طريق الشركة العقارية. وأفاد المتهم الرابع، وهو وكيل الأمين، بأنَّه لا يوجد مجرى سيل في مخطط المساعد، وأنَّ الفكرة أو الدراسة بشأن وضع عبارة لتصريف تجمعات الأمطار والمواقع التي طلب السماح بالبناء فيها، كانت مقترحاً سابقاً، أما المقترح الثاني فاستهدف تجنيب الدولة نزع الملكيات. وسأله رئيسُ المحكمة إذا كان لا يُوجَدُ مجرى سيل فمن المسؤول عن تعطيل مصالح المواطنين ومنعهم من البناء، فتدخَّلَ محاميه متسائلاً: هل التهمة هي السماح بالبناء أم بمنع البناء؟. وطلب أن يقتصر الأمر على ما ورد بلائحة الاتهام من السماح بالبناء في مجرى الوادي مخالفةً للأمر السامي، حيث اتضح عدم وجود مجرى سيل، ومع ذلك لم يتمَّ السماحُ بالبناء إلا بعد عمل تصريف لتجمع الأمطار. أمَّا المتهم الخامس، وهو مدير التشغيل والصيانة، فتناقضت أقوالُه؛ حيث أكَّد أحياناً أنَّ ما قدَّمَه فكرة ثم عاد ليقول إنها كانت دراسةً لكنه غير مسؤول عن عمليات الدارسة والتخطيط. وقد حدَّدَت المحكمة موعداً للجلسة القادمة في الثامن والعشرين من جمادى الأولى المقبل.