المتابع للمشهد السياسي السعودي وخصوصاً في العقد الماضي، يلاحظ حرص القيادة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله ورعاه– على دعم عجلة الإصلاح ومسيرة التنمية، ومحاربة الفساد والقضاء عليه، وبناء دولة الرفاهية للمواطن في مجالات شتى، وذلك من خلال خطط وسياسات التنمية. وكما هو معلوم لدى الجميع أن المملكة تُعد من أكبر اقتصاديات العالم، ومن كبار منتجي الطاقة في الأسواق العالمية؛ مما جعل الدخل الوطني يشهد معدلات نمو غير مسبوقة سجلت فوائض مالية ضخمة جداً على مستوى ميزانية الدولة، إلا أننا نجد أنفسنا وعلى الرغم من كل ما سبق ذكره نتذيل قائمة الترتيبات والتصنيفات العالمية في أغلب المجالات. والسؤال المحيَّر هو: ما الذي يجعلنا متخلفين عن ركوب موجة التقدم والتطور؟ هل نحن مختلفون عن الأمم الأخرى التي بلغت مستوى متقدماً ومتطوراً في ظرف سريع جداً رغم قلة الإمكانات والموارد لديها؟ أين يكمن الخلل؟ سأورد أمثلة على بعض مشكلاتنا التي أظنّ أن الإجابة عنها تكمن فيها الحلول، لماذا نعاني من عدم التقدم والتطور؟ فنحن في مجال التعليم الذي يُعد الركيزة الأولى المهمة لكل المجتمعات التي تريد أن تتقدم وتتطور، نجد أنفسنا نحتل المرتبة السابعة عشرة عربياً حسب تقرير البنك الدولي، وحسب تقرير (مكانزي)، فإن المملكة تحتل أحد المراكز الثلاثة الأخيرة عالمياً في الرياضيات، وكذلك أحد المراكز السبعة الأخيرة في العلوم، فلماذا نحن هكذا؟ لماذا لا نطور تعليمنا ونُحدث ثورة تعليمية مصاحبة للثورة التقنية التي غيّرت أشياء كثيرة في العالم، ولعل هذه الثورة التعليمية قد تُغير في ذهنية أجيالنا وتجعلهم يسيرون بوطنهم إلى مصاف الدول المتقدمة، وإذا ما أخذنا في الحساب اهتمام الدولة بقطاع التعليم الذي يستحوذ على حصة الأسد في الميزانية العامة للدولة، ودعم مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم بمليارات الريالات. أما في مجال الأمن، فالمملكة تحتل المرتبة (107) عالمياً وفقاً لمؤشر السلام العالمي، وهذا الرقم محزن ومقلق للغاية في وطن يحتكم إلى شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونحن الدولة الوحيدة التي تُطبق الشريعة الإسلامية في جميع المجالات. فلماذا وصلنا إلى هذه المرتبة؟ وإذا تذكرنا النجاح الباهر الذي حققته المملكة في مجال مكافحة الإرهاب، الذي جعل التجربة السعودية محط أنظار العالم في مواجهة هذه الآفة التي عانى منها العالم، نستغرب وجود بعض الجرائم والسرقات والتعديات التي أصبحت ظواهر مقلقة للأمن الوطني، فكيف استطعنا مواجهة خطر الإرهاب وأخفقنا في ضبط هذه الجرائم الصغيرة؟! أما فيما يخص الفساد المالي والإداري، فإننا نحتل في ذلك المرتبة السابعة والخمسين على المستوى العالمي والسادسة عربياً، وهذه وصمة عار كبيرة لنا ونحن نعيش في بلاد الحرمين الشريفين، ونعلن التزامنا بالشرع الحكيم الذي ينظم العلاقة بين الناس وفق ميزان العدل والقسط والأمانة، وهذا الأمر هو الذي جعل الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله– يبادر إلى تأسيس هيئة خاصة بمكافحة الفساد محاولة منه لردع هؤلاء الفاسدين، إذاً لدينا مشكلة حقيقية، فما هي يا تُرى؟ أما على مستوى الخدمات التي تهم المواطنين، فإن الطيران المدني في المملكة يحتل مرتبة متدنية جداً، حيث تحتل خطوطنا الجوية المرتبة (86) بين خطوط الطيران في العالم على الرغم من أن أسطولنا الجوي في السابق كان يضاهي أكبر الأساطيل الجوية في الشرق الأوسط والعالم، ولكن عجلة التطوير والنمو في هذا القطاع المهم توقفت فسبقتنا الدول الأقل دخلاً واقتصاداً في تطوير أساطيلها الجوية والتزود بالطائرات الحديثة والجديدة. أما على مستوى الوعي الصحي، فإن المملكة تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في استهلاك التبغ مقارنة بعدد السكان، وحسب التقارير يموت نحو 22 ألف مدخن في المملكة كل عام، كما أننا نحتل المرتبة الثالثة عالمياً في نسبة انتشار السكري من بين دول العالم؛ حيث يبلغ عدد المصابين بهذا المرض نحو المليونين ونصف المليون نسمة من تعداد السكان، وهذا أمر بالغ الخطورة، فأين التوعية الصحية المستمرة في المدارس والأحياء وإيضاح مخاطر التدخين وأمراض السكري والسمنة وغيرها للمواطنين، فلماذا نحن هكذا؟ ولا يخلو الشأن الرياضي من التراجع والإخفاق، فبرغم الإنفاق المادي الكبير على المنشآت والأندية الرياضية، إلا أن منتخبنا الوطني لكرة القدم تراجع في السنوات الأخيرة تراجعاً مخيفاً؛ حيث يقبع الآن في المرتبة ال126 عالمياً، وهذا الرقم لا يليق بنا بوصفنا دولة لديها ثروات مالية وبشرية كبيرة، وأنه لمن الغريب أن المنتخب كان يحقق إنجازاته في زمن الهواة، وحين تم تطبيق نظام الاحتراف تراجع مستواه بشكل مخيف، فما المشكلة إذاً؟ مما مضى من استعراض سريع لترتيب المملكة وتصنيفها عالمياً في بعض المجالات التي قد تتقدم أو تتأخر، يتضح لنا أن لدينا خللاً كبيراً في طريقة عملنا وتخطيطنا ووضع استراتيجياتنا؛ فالدول الأخرى تتقدم ونحن نراوح في مكاننا، وغارقون في مناقشة قضايا اجتماعية أو فكرية لن يتم الاتفاق عليها بسبب الاختلاف في التوجهات الفكرية وغيرها، وعدم التفاهم وقبول الرأي والرأي الآخر فيما بينهم. نحن بحاجة إلى الاسترشاد بالتجارب الدولية في التخطيط لعملية التنمية والإدارة، ولنا في التجربة الكورية أو الماليزية أنموذج فريد في التقدم والازدهار، وأمامنا فرصة ذهبية هذه الأيام لنتقدم ونتطور؛ لأن الظروف مهيأة لذلك بسبب الطفرة المالية الكبيرة التي تعيشها المملكة، وأهم بنود هذه التجارب الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، والاهتمام بالتخطيط الصحيح للمستقبل، وأن تكون الخطط التنموية فاعلة ومتوازنة مع بقية القطاعات لتحدث تغييرات ملموسة وقوية، بدلاً من التقاطعات في خدمة الوطن فيما بين الوزارات والمؤسسات الحكومية. ختاماً، آمُل أن نرى وطننا يسير نحو الاتجاه الصحيح في جميع برامجه وخططه، وأن لا تشغلنا أمور أو قضايا اجتماعية وداخلية نستغرق فيها أوقاتاً كثيرة لمناقشتها وحلها، ومن ثَمَّ يتقدم عنّا الآخرون ونحن مازلنا قابعين في مكاننا لا نستطيع النهوض أو التقدم.