جعلت الحرب الإلكترونية « من أعداء الأمس أصدقاء اليوم والغد .. فالسياسة لا توجد فيها عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، فقط توجد « مصالح دائمة «، وأكبر دليل هو « الحرب الإلكترونية غير المعلنة « التي لم تبدأ أمس ولن تنتهي غدا، وهي التي جمعت بين دول الخليج والولاياتالمتحدة وإسرائيل وإيران والصين.فقبل أيام من إعلان طهران عن سقوط طائرة التجسس الأمريكية دون طيار من طراز RQ-170 على يد القوات الإيرانية، أعلنت أجهزة الاستخبارات الأمريكيةِ والإسرائيلية، أن البرنامج الصاروخي الإيراني تعرض لضربةٍ قاصمة، كما أظهرت صور الأقمار الاصطناعية من إيران، حيث وقع انفجار شديد في الثاني عشر من نوفمبر الماضي 2011 في مركز أبحاث الجمهورية الإسلامية، ليسجل نجاح أول محاولة لتجريب الصواريخ البالستية بعيدة المدى، التي دمرت المركز الإيراني بالكامل. حرب سرية وحسب معظم المراقبين، فإن حرباً إلكترونية سرية تدور رحاها منذ فترة طويلة، وهم لا يستبعدون أن تكون طائرة دون طيار RQ-170 التي أسقطت حديثا، قد نفذت تلك العملية بنجاح منقطع النظير، فخلال السنتين الأخيرتين وقعت في إيران عشرات الحوادث الغريبة وأعمال التخريب المتفرقة، التي يمكن أن تكون جزءاً من هذه الحرب غير المعلنة ضد برنامجي إيران النووي والصاروخي، فقد نفذت الاستخبارات الأمريكية بمهارة أعمال القرصنةِ المعلوماتية ضد إيران مرارا وتكرارا .. لكن، أين بدأت هذه الحرب؟ ومتي؟ هجوم إلكتروني ويعد الحدث العالمي الأبرز الذي يربط بين عامي 2010 و2011 .. ويسجل سبقا تاريخيا في مجال الحرب الإلكترونية، هو نجاح فيروس Stuxnet نهاية عام 2010 في تخريب مجمل المنظومة الإلكترونية لمعمل تخصيب اليورانيوم في إيران، علي بعد ثلاثين كيلو مترًا من مدينة نطنز، والذي يعد أحد أهم مواقع البنية التحتية في برنامج إيران النووي. اللافت للنظر أن لجنة الطاقة النووية الإيرانية لم تعلق علي الحادث، واكتفت بالإعلان عن «إغلاق المعمل لمدة قصيرة»، فقد اعتدنا علي مبالغة طهران الرسمية في إبراز أمر عادي كتجديد أسلحة دفاعها الجوي وعتادها المضاد للدروع، ولكنها غالبا ما تلتزم الصمت فيما يتعلق بالهجوم الإلكتروني علي مركزها النووي أو الصاروخي. نجاح الفيروس وكان أهم تعليق سجلته وسائل الإعلام العالمية علي نجاح مهمة الفيروس، من نصيب « موشي يعلون « رئيس الوزراء ورئيس الأركان الإسرائيلي السابق، الذي قال «أمام الولاياتالمتحدة وحلفائها ثلاث سنوات لكبح جماح البرنامج النووي الإيراني الذي مني بانتكاسة، نتيجة صعوبات فنية.. موضحا أن إيران تملك حاليا بالفعل القدرة علي صنع قنبلة نووية بنفسها». مقتل مجيد ونشرت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية في ملحقها الأسبوعي للشؤون العسكرية تقريرا مهما جاء فيه : أن الخبير الألماني البارز في الأمن الحاسوبي « رالف لانغر «، أكد بأننا « نشهد في إيران أول حرب إلكترونية حقيقية في التاريخ». في نفس الوقت الذي لا يبدي الإيرانيون استعدادا للبحث في مقتل البروفيسور « مجيد شهرياري « المتخصص بمكافحة فيروس Stuxnet . ومن المعروف أن الفيزيائي الإيراني البارز – حسب التقرير – الذي اغتيل في 29 نوفمبر عام 2010 كان يعمل علي حل مشكلة التصدي لهذا الفيروس بغية حماية مجمع أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم في نطنز. أما البروفيسور « فريدون عباسي دواني « الذي جرح في عملية الاغتيال نفسها، فكان يعمل في مجال فيزياء الليزر بوصفه موظفا لدي وزارة الدفاع الإيراني. اتهام إسرائيل ويذكر أن البروفيسور المتخصص بالفيزياء النووية في جامعة طهران « مسعود علي محمدي « كان قد قتل نتيجة انفجار في يناير 2010، للوهلة الأولي تبدو منطقية تماما تلك الآراء التي تقول إن للإسرائيليين يدا في اقتحام فيروس Stuxnet مجال إيران الحاسوبي، وفي مقتل عالمي الفيزياء الإيرانيين، فمن المعروف أن إسرائيل أقدمت علي تدمير المفاعل النووي العراقي والمفاعل النووي السوري. وكان الإسرائيليون قد قاموا أولا بعملية تخريب حاسوبية، ومن ثم شنت طائراتهم غارة علي المفاعل ودمرته. موافقة أوباما ويدرك الرئيس الأمريكي باراك أوباما مدي الخطورة التي ستشكلها إيران حال امتلاكها السلاح النووي، ولكنه يرفض في نفس الوقت – حتي الآن – إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لضرب إيران. ومن جهة أخري لم يمانع “أوباما” في اقتحام إسرائيل لمجال إيران الإلكتروني عن طريق إطلاق الفيروسات الكمبيوترية، حيث تم في جيش إسرائيل وأجهزة استخباراتها تشكيل «قوات كمبيوترية خاصة « لهذا الغرض منذ عام 2007. قتل العلماء وأعلن رئيس جهاز «أمان» (الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية) « عاموس يادلين « عن استعداد بلاده للحرب الإلكترونية، ومع ذلك فإن مهام المقاتلين «الحاسوبيين» لا تتضمن قتل العلماء الإيرانيين. وحسب ما يؤكد التقرير : من السخف بالنسبة للإسرائيليين المتقدمين جدا في مجال الإلكترون والحرب الإلكترونية، أن يقدموا علي قتل علماء فيزياء في دولة ليست صديقة (منطقة جنوب شرق إيران المتاخمة لأفغانستان وباكستان) لكنها ليست في حالة مواجهة مع الدولة العبرية. ومن ثم يبقي السؤال مطروحا، وهو: من ولمَ قتل العالمان الإيرانيان علي محمدي وشهرياري، وحاول اغتيال البروفيسور الإيراني الآخر عباس دواني؟ مصلحة الخليج ونشر موقع ويكيليكس مؤخرا أن من مصلحة دول الخليج الحيلولة بأي ثمن كان دون حصول طهران علي السلاح النووي، وأن أجهزة استخبارات دولة خليجية مستمرة في اتصالاتها مع الإسرائيليين «كاستشارات» في الأردن، بمشاركة مدير الموساد ومسؤول الاستخبارات في هذه الدولة، أما المسألة الرئيسة لهذه اللقاءات فهي دائما وأبدا المشكلة الإيرانية. تغيير التحالفات وغيرت الحرب الإلكترونية المفهوم التقليدي للحرب، والكثير من التحالفات والعداوات القديمة، وأصبح احتمال التعاون بين إسرائيل ودول الخليج في صنع الفيروس Stuxnet أقرب إلي الحقيقة منه إلي الخيال، إذ يؤكد الخبير الألماني « رالف لانغر « أن أكثر من خمسين شخصا عملوا عدة سنوات علي صنع هذا الفيروس. وينقل المراقب الفرنسي المرموق « بيير شامبونيه « في صحيفة «لو تمب»، عن لانغر «أن إسرائيل لم تعمل وحيدة لصنع هذا الفيروس، بل انه جاء نتيجة جهود عدة دول» . إيران تنتصر ولعل أهم ما في حادثة إسقاط طائرة التجسس الأمريكية طراز RQ-170، على يد القوات الإيرانية في نهاية عام 2011، هو أن الطائرة بدت وكأنها لم تتعرض لأية إصابة. وهو ما يرجح حسب العديد من المحللين في الغرب : أن يكون الإيرانيون قد تمكنوا من اختراق منظومة التحكم عن بعد بتلك الطائرة، وتمكنوا من جَعْلِها تهبط هبوطا طبيعيا. حيث تعتبر الطائرة الأسيرة واحدة من أكثر الطائرات سرية ًفي القوات الجوية الأمريكية. كما تفيد بعض المصادر المقربة من وزارة الدفاع الأمريكية أن حالة من الارتباك والإحباط أصابت ضباط البنتاجون. فقد تمكنت وحدة الحرب الإلكترونية للحرس الثوري من اختراق أنظمة التحكم التابعة للطائرة RQ-170،، بعد أن ظلت تحلق في سماء إيران منذ شهور طويلة كما جاء في خطاب احتجاج طهران إلى الأممالمتحدة « تأتي هذه الانتهاكات ضمن العمليات السرية من جانب الحكومة الأميركية ضد الجمهورية الإسلامية». وعلي الرغم من تشكيك المسؤولين الأميركيين في زعم طهران بأن القوات الإيرانية تمكنت عبر تقنيات التشفير من السيطرة على الطائرة، مفترضين وقوع عطل فني في الطائرة، فإن الصور الملتقطة للطائرة والفيديو الذي عرضته إيران لم ينكره الأمريكيون وإنما اكتفوا بأنهم سيحللون الصور للتأكد من أنها الطائرة الحقيقية. عمليتان مزدوجتان ولا يتمثل الإنجاز الأهم الذي قامت به إيران في إسقاط الطائرة بإطلاق النار، وإنما بعمليتين مزدوجتين : أولا، التقاط وتحديد الطائرة التي لديها قدرة علي التخفي عن الرادار بسبب هيكلها المشابه للشبح الذي يحرف إشارة الرادار و لا يعكسها، و الطلاء المستخدم الذي يمتص إشارات الرادار بنسبة معينة. فالتقاطها يعتبر إنجاز لإيران باستخدام تكنولوجيا الرادارات . ثانيا : استخدم الإيرانيون لبرامج إلكترونية متقدمة « هاكرز معقد «، استطاع خرق نظام التحكم بالطائرة وتوجيهها إلى قواعدهم و هذا يعتبره المراقبون إنجازا كبيرا للإيرانيين إذا صحت الرواية. ارتباك البنتاجون وانتابت حالة الإحباط والارتباك جنرالات البنتاجون قابلها قلق شديد في الأوساط الأمنية والعسكرية في إسرائيل عقب سقوط الطائرة التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA في أيدى الإيرانيين، حيث تتمتع الطائرة بتكنولوجيا متطورة جداً ستكشف قدرات وأسرار الطائرة المقاتلة الأمريكية F35 الأحدث في العالم والتي تعاقد الجيش الإسرائيلي على شرائها لتصبح رأس حربة سلاح الجو الإسرائيلي في معاركه المستقبلية. شفرة الطائرة وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية فإن طهران تبذل جهوداً مكثفة لحل شفرة الطائرة الأمريكية التي تحمل تكنولوجيا تشغيل متقدمة تتمثل في القدرة على التخفي من الرادارات، وتشابه التكنولوجيا التي ستستخدم في الطائرة المستقبلية لسلاح الجو الإسرائيلي F35 والتي تنتجها شركة «لوكهيت مارتين» الأمريكية. وهو ما يجعل مشروع تطوير الطائرة F35 الذي يحاط بسرية تامة « مكشوفاً أمام الأعداء، وأن تحاول إيران تقليد تصميم الطائرة الأمريكية المتقدمة RQ-170، أو أن تطبق تكنولوجيا الهندسة العكسية وتبيعها للصين، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية للحرب الإلكترونية في المستقبل القريب. الحرب الالكترونية - جرافيك