عادت علاوة الإصدار إلى أسواق السندات الخليجية بعد أن اختفت بنسبة كبيرة العام الماضي وهو ما قد يبطئ وتيرة إصدارات الدين من عدد كبير من المقترضين هذا العام إلا أنه لن يوقفها. وعلى مدى ستة أشهر أو نحو ذلك لم يضطر المقترضون الخليجيون إلا لدفع علاوة هزيلة فوق عوائد السوق الثانوية على سنداتهم القائمة حين أصدروا سندات جديدة. وفي العديد من الحالات لم يدفعوا أي علاوة. وكان ذلك نتيجة للمستويات القياسية المنخفضة لعوائد سندات الخزانة الأمريكية وتحسن صورة الخليج لدى المستثمرين الدوليين مع تعافي دبي واقتصادات أخرى من الأزمة المالية العالمية. غير أنه في الأسابيع القليلة الماضية أصبح من الواضح أن صعود عوائد سندات الخزانة الأمريكية وقوة الأسهم العالمية سيدفعان المقترضين الخليجيين مجددا لدفع علاوات إصدار كبيرة. وقال سامي محفوظ رئيس أنشطة الأسواق العالمية للإمارات في ستاندرد تشارترد “علينا أن نأخذ في الحسبان التحديات العالمية ومزاج المستثمرين لأن الأسواق تشهد أحيانا فترات ضعف كتلك التي نشهدها الآن في الأسواق العالمية.” وأضاف “يجب أخذ ذلك في الحسبان لأن طلبا كبيرا يأتي من المستثمرين العالميين وليس الإقليميين فقط.” ويمكن النظر إلى الأمر على أن الخليج يدفع ثمن تزايد شعبية سنداته بين المستثمرين الدوليين العام الماضي. ففي السابق حين كان كل الطلب على السندات تقريبا يأتي من مؤسسات غنية بالسيولة داخل المنطقة كان تسعير الإصدارات الجديدة معزولا جزئيا عن الاتجاهات العالمية لكن لا يمكن تجاهل المناخ العالمي الآن. وبعد أداء قوي في بداية هذا العام شهدت صناديق الاستثمار في سندات الأسواق الناشئة بالعملة الصعبة سحوبات للمرة الأولى في 35 أسبوعا في الأسبوع المنتهي في السادس من فبراير شباط وفقا لبيانات إي.بي.إف.ار جلوبال. ويرى بعض المحللين والمستثمرين أن التحول في سوق السندات ليس ظاهرة قصيرة الأجل بل بداية لاتجاه طويل الأمد. وقال جاري دوجان رئيس الاستثمار لمنطقة آسيا والشرق الأوسط في شركة كوتس ذراع رويال بنك أوف سكوتلند للخدمات المصرفية الخاصة في مؤتمر في دبي الأسبوع الماضي “السوق القوية للسندات تقترب من نهايتها. الناس تتعلق بنظرة ترى أن أداة استثمارية معينة ستظل تحقق عوائد في خانة العشرات طوال الوقت.” وتابع “يوجد احتمال كبير للخسارة في السندات أو الصكوك هذا العام لذلك ننصح عملاءنا بأن يبدأوا التفكير في أدوات الأسهم.” وتمكن عدد قليل جدا من أسواق السندات الناشئة من تجاهل هذا الاتجاه. وإحدى تلك الأسواق هي تركيا حيث استطاع آق بنك تحديد سعر منخفض للغاية لسندات بقيمة مليار ليرة (530 مليون دولار) في نهاية يناير كانون الثاني. لكن الخليج ليس من تلك الأسواق. فالمزاج الحالي يعني أن المقترضين سيضطرون “لوضع شيء على الطاولة لإقناع المستثمرين بتقديم طلبات كبيرة” حسبما قال متعامل إقليمي في أدوات الدخل الثابت. وقال متعامل آخر إن المقترضين سيضطرون الآن لدفع علاوة إصدار بين 15 و20 نقطة أساس على السندات طويلة الأجل. وقد يكون هذا التقدير أقل من الواقع. فقد اضطرت فيمبلكوم الروسية لدفع علاوة إصدار تقدر بما بين 25 و40 نقطة أساس على الشرائح الدولارية من سندات بملياري دولار الأسبوع الماضي. ولم تدفع دبي أي علاوة إصدار حين جمعت 1.25 مليار دولار من إصدار سندات على شريحتين في أواخر يناير الماضي بل إنها سعرت الإصدار بأقل من العائد على سنداتها القائمة. لكن هذه السندات سرعان ما تعرضت لضغوط بيع في السوق الثانوية. فقد جرى تداول الصكوك العشرية الصادرة بعائد 3.875 بالمئة والتي تم تسعيرها بالقيمة الاسمية عند سعر أقل من هذه القيمة منذ الإصدار. وجرى تداولها اليوم الثلاثاء بسعر 98.0 سنت للدولار ليصبح العائد 4.116 بالمئة. ويبدو أن تغير المزاج في سوق السندات قد بدأ يؤثر على المقترضين الخليجيين. فلم تشهد المنطقة أي سندات تقليدية أو إسلامية (صكوك) منذ أن سعرت شركة طيران الإمارات سندات بقيمة 750 مليون دولار تسدد على أقساط لأجل 12 عاما في أواخر يناير. وقبل أسابيع قليلة كانت السوق تتوقع أن يكون الربع الأول من العام الجاري مليئا بالإصدارات الجديدة. ومن بين المقترضين المحتملين هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) التي قالت إنها تنوي إصدار صكوك بقيمة تصل إلى مليار دولار في الربع الأول. وأفادت رويترز الشهر الماضي أن الهيئة فوضت بنوكا لترتيب الصفقة لكن الرئيس التنفيذي سعيد محمد الطاير قال أمس الإثنين إنه لم يتم تحديد توقيت الإصدار بعد. وقال الطاير “ندرس الأمر وسنقرر بشأنه الأسبوع المقبل” دون أن يذكر أي تفاصيل عن أجل الاصدار. وبلغ العائد أربعة بالمئة اليوم الثلاثاء على سندات ديوا القائمة بقيمة 1.5 مليار دولار والتي تستحق في 2020 أي بزيادة نحو 40 نقطة أساس عن مستواه قبل شهر. وقال محفوظ من ستاندرد تشارترد “تراجع فارق العائد جيد للمقترضين لكن المنطقة تعتبر بالأساس مصدرا للعائد ويهتم المستثمرون بتوليد عائد من الأسماء الجديرة بالثقة.” ولن تثني عودة علاوة الاصدارات الجديدة المصدرين الخليجيين للأبد. فالعائدات مازالت أقل بواقع نقطتين مئويتين أو أكثر عن مستوياتها قبل عام ومن المرجح أن يعود المصدرون للسوق مجددا بعد فترة يقيمون خلالها إن كان الوضع الجديد بالسوق سيستمر. وأعلن بنك أبوظبي التجاري هذا الأسبوع أنه فوض بنوكا لاصدار سندات بقيمة 500 مليون دولار على الأقل في حين سيناقش بنك أبوظبي الوطني اصدار سندات قابلة للتحويل وأدوات أخرى خلال اجتماع الشهر المقبل. لكن المصدرين قد يشعرون مزيدا من الضغط لطرح اصدارات قصيرة الاجل لتقليل العلاوات التي يدفعونها. وقال متعامل اقليمي “سيكون من الصعب اصدار سندات طويلة الأجل في الوقت الحالي لكن بعض الأسماء مازال بامكانها دخول السوق. يبحث المستثمرون عن العائد في الاصدارات قصيرة الأجل.” دبي | رويترز