تونس – علي قربوسي العبيدي: ما ورد في مسودّة الدستور بتشكيل هيئة مستقلة للإعلام للإشراف وتنظيم قطاع الإعلام يمثّل نكبة كبرى. نقابة الصحفيين: سجن سامي الفهري جاء انتقاماً منه بسبب الانتقادات التي توجهها قناته للحكومة. رابطات حماية الثورة تطارد الصحفيين في أكثر من مكان وعلى خلفية سياسية واضحة. سقط نظام الرئيس السابق في تونس مع خروجه من البلاد في الرابع عشر من يناير 2011، ليكون أول مكسب للثورة التونسية هو حرية التعبير، إذ انكسر حاجز الخوف لدى الشعب وأصبح كل تونسي يعبّر عن رأيه بحرية مطلقة تجاوزت حتى حدود المسؤولية في بعض الأحيان. لكن هذا المكسب يبدو مهدداً اليوم وبعد عامين على الثورة في ظل ما بات يوصف بأنه معركة استقلال الإعلام والصحافة، وسط اتهامات من أطراف في الحكومة التونسية بقيادة حركة النهضة الإسلامية الحاكمة للإعلاميين ب «التهويل» و «خلق الأزمات» و «التبعية لأطراف تريد بث الفوضى» بالإضافة إلى ما يراه البعض محاولة من الحكومة للتحكم في الإعلام عبر تنصيب موالين لها على رأس أكبر وأهم دور الصحافة ومؤسسات الإذاعة والتليفزيون في البلاد. بدأت الأزمة بالتفجر على إثر تعيين الحكومة التونسية ل «لطفي التواتي» على رأس دار الصباح أحد أقدم وأكبر دور النشر والصحافة في تونس، وهو قرار رفضه الصحفيون العاملون بدار الصباح وبدأوا في إضراب عام في سبتمبر الماضي بمساندة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عندما رفضت الحكومة إقالة المدير الجديد لطفي التواتي والذي يتهمه الصحفيون بالتدخل في الخط التحريري للدار وبكونه يعمل لصالح حركة النهضة الحاكمة. وأخذت القضية منحى خطيراً عندما قرر أربعة صحفيين تونسيين الدخول في إضراب جوع مفتوح بداية أكتوبر 2012 احتجاجاً على تجاهل السلطات التونسية لمطالب العاملين والصحفيين بدار الصباح.الأمر الذي أدَّى بأحزاب عديدة في المعارضة لتبني مطالب الصحفيين، واتسعت رقعة الاحتجاج على تعيين لطفي التواتي، الذي كان في السابق محافظ شرطة، حتى استجابت الحكومة التونسية تحت الضغط وقامت بإقالة التواتي من منصبه. تهديد حرية التعبير تبع ذلك اعتداءات متكررة على الصحفيين خاصة أثناء تغطيتهم للاحتجاجات الاجتماعية التي تعصف بتونس من حين إلى آخر في ظل استمرار تأزم الوضع الاقتصادي و تردي الحالة الاجتماعية، وهو ما رأت فيه المعارضة ومنظمات المجتمع المدني تهديداً صريحاً وخطيراً لحرية التعبير وحرية الصحافة في تونس، متهمة الحكومة بمحاولة التغطية على القمع الذي يتعرَّض له المتظاهرون والمحتجون في مختلف مناطق البلاد على سياسات حكومة الترويكا. و حذَّرت عدة جمعيات ومنظمات أهلية في تونس من أن «عنفاً ممنهجاً» يمارس ضد الصحفيين، وأن التحقيقات معهم زادت بشكل ملحوظ في سنة 2012، و تتهم هذه المنظمات والجمعيات «ميليشيات» تابعة لحركة النهضة باستهداف الصحفيين الناقدين للحكومة وسياساتها، كما تتهم رابطات حماية الثورة المحسوبة على حركة النهضة بالاعتداء على أصحاب الأقلام والمفكرين و المثقفين. اعتداءات على الصحفيين الفاهم بوكدوس و في تصريح ل«الشرق»، أكّد منسق وحدة رصد وتوثيق الانتهاكات الواقعة على الإعلام التونسي بمركز تونس لحرية الصحافة الفاهم بوكدوس «أنه في شهر ديسمبر الماضي فقط تمّت محاكمة الصحفيين غسان القصيبي ورمزي الجباري ومحمد الحمروني ونادية الزائر وياسين النابلي أي بمعدل محاكمة كل ستة أيام وهو معدّل لم نعرف له مثيلاً حتى في أحلك أيام الرئيس السابق» على حد تعبيره. و قال بوكدوس «إن رابطات حماية الثورة تطارد الصحفيين في أكثر من مكان ولها خلفية سياسية واضحة». وأضاف « فوجئت بما تعرَّض له طاقم إخباري صحفي أثناء تغطيته لإضراب أساتذة التعليم الثانوي وكذلك الاعتداء من طرف مواطنين على طاقم قناة تلفزة تونسية أثناء تغطيتها لاعتصام قطاع البريد في قفصة.»كما أبدى بوكدوس استغرابه من تواتر استدعاء الصحافيين للمثول أمام الباحث الابتدائي أو التحقيق أو المحكمة في قضايا معنية بحرية الصحافة والتعبير في الوقت الذي كان من الأجدر إبعاد العدالة عنها لأنها ليست معنية في كل التجارب الديمقراطية بتقييم المحتويات الصحفية، على حدّ قوله. وأضاف بوكدوس «أنبه الصحفيين إلى توخي الحذر وأخذ احتياطات قصوى عند تغطيتهم للاعتصامات بالجهات وندعو وزارة الداخلية إلى تحمّل مسؤوليتها في حماية الصحفيين.» اعتقال المنتقدين و لم يتوقف الشدّ و الجذب بين الحكومة والإعلام، إذ قامت السلطات التونسية باعتقال مدير ومؤسس قناة التونسية «سامي الفهري» على خلفية ما قالت الحكومة إنها قضايا فساد واستغلال للنفوذ متورط فيها الفهري. إلا أن مراقبين يؤكدون أن الفهري مستهدف لما تقوم به قناته التونسية من نقد لاذع للحكومة ولحركة النهضة، و يدللون على ذلك بإيقاف إنتاج برنامج «اللوجيك السياسي» الساخر والذي يتعرَّض بالسخرية لقادة سياسيين منهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. وذكر» الفهري» في تسجيل له قبيل تسليمه لنفسه استجابة لمذكرة توقيف بحقه، أن المستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي زيتون طلب منه إيقاف بث برنامج «اللوجيك السياسي» وقبل بذلك تحت الضغط الشديد، ثم قال إنه وعلى إثر تسرُّب الأنباء حول ممارسة الحكومة لضغوطات على وسائل الإعلام خاصة على قناة التونسية، عاد زيتون ليطلب منه التصريح بأن هذه الادعاءات غير صحيحة، الأمر الذي رفضه سامي الفهري قبل أن تتم إصدار بطاقة جلب بحقه ثم إيداعه السجن على خلفية قضايا فساد قال إنها ملفقة ضده.و في حين اعتبرت نقابة الصحفيين التونسيين أن سجن سامي الفهري جاء «انتقاماً» منه بسبب الانتقادات التي توجهها قناته للحكومة، تقول حركة النهضة إن هذه القضية ليست قضية سياسية و إنما هي بيد القضاء و ليس للحكومة أي دخل فيها. داعية إلى عدم التدخل في استقلالية القضاء بالضغط عليه إزاء قضية سامي الفهري المتهم بأنه نهب مليارات الدينارات من مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية العمومية في عهد الرئيس السابق. وآخر حلقات هذه المعركة بين حرية الكلمة والسلطة في تونس هو ما بات يعرف بقضية «الشيراتون غيت» والتي فجرت فيها الصحفية المدونة التونسية» ألفة الرياحي» قضية فساد وأخلاق في حق وزير الخارجية التونسي وصهر رئيس حركة النهضة رفيق عبد السلام. إذ تمَّ منع ألفة الرياحي من السفر واستجوابها كمتهمة بالثلب وإشاعة أخبار زائفة، في حين أنها طالبت بتحقيق فيما كشفت عنه وقالت إن لديها كل الوثائق والدلائل على تورط عبد السلام في استغلال المال العام لمصالح شخصية. هيئة تشرف على الإعلام وتطالب أحزاب المعارضة في تونس بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني بتشكيل هيئة عليا مستقلة للإعلام تشرف على تنظيم هذا القطاع، وهو مطلب تبنته الحكومة وحركة النهضة منذ البداية لكنها لم تقم إلى حد الآن بفعل شيء حياله. وقال رئيس «الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال» «كمال العبيدي» إنّ ما ورد في مسودّة الدستور وتحديداً بالفصل 128 بخصوص بعث هيئة مستقلة للإعلام لها صلاحية الإشراف وتنظيم قطاع الإعلام سيتمّ انتخابها من مجلس الشعب القادم يمثّل نكبة كبرى كون هذه الهيئة تتحدّث عن الإشراف الكامل على قطاع الإعلام، مضيفاً إن لم يقع تعديل هذا الفصل فسيكون -حسب تعبيره- «وصمة عار على المجلس الوطني التأسيسي وتمهيدا لوزارة جديدة للإعلام رغم انتفاضة الشعب التونسي ضدّ مثل هذه الممارسات». وبيّن العبيدي أيضاً أنّ هناك جهات معيّنة مستفيدة بشكل كبير من الفراغ القانوني في مجال الإعلام من ذلك بروز وسائل إعلام جديدة ذات مصادر تمويل غير معروفة ودون معرفة مدى كفاءة أصحابها. هكذا فإن المكسب الوحيد الذي حققه التونسيون في ثورتهم إلى حد الآن هو حرية التعبير و إبداء الرأي مهدد في ظل التجاذبات السياسية و الفوضى التي تعم الساحة التونسية خاصة في ظل عدم التوافق على هيكلة و بعث هيئة الإعلام المستقلة، وأيضاً الهيئات المستقلة للقضاء و الانتخابات. اعتصام لصحفيي جريدة الصباح دار الصباح أثناء الاعتصام اعتصام لصحفيي دار الصباح (الشرق)