سجن رومية المركزي في لبنان وكرٌ ل «القاعدة». مقولة تتكشّف حقيقتها يوماً بعد آخر، فقد عثرت القوى الأمنية اللبنانية منذ عدة أيام على السجين الفلسطيني غسان قندقلي، مشنوقاً داخل حمامات زنزانةٍ. وسُرّب الخبر في البداية، على أنه أقدم على الانتحار شنقاً، لكن ملابسات الحادثة ما لبثت أن تكشفت، ليتبيّن أنه قضى أثناء تعذيبه. وفي هذا السياق، أفاد تقرير الطبيب الشرعي، أن السجين تعرّض للضرب المبرح والتعذيب قبل أن يُلف حبل حول رقبته ثم يُشد بقوة ليقضي اختناقاً. وبحسب المعلومات الواردة من السجناء، فقد ضُبط السجين قندقلي، بعد إرساله صورة إلى إحدى الفتيات. وكان ذلك عبر شقيقها، الذي تبيّن أنه على علاقة مع أحد سجناء تنظيم «فتح الإسلام» في السجن، فبلّغه بما حصل. هكذا وصل الخبر إلى «المجلس الشرعي» للتنظيم الأصولي الذي أقام عليه الحد، وأفتى ب «جلد قندقلي لقيامه بجرم شائن». والمسألة لم تنته عند هذا الحد، فقد بيّنت التحقيقات أنّ الطبيب الشرعي الأول الذي كشف على الجثّة «أ.م.»، لم يذكر تعرض القتيل للتعذيب، بل ألمح إلى حصول انتحار. ولدى عرض الجثة على طبيب شرعي ثانٍ « ه.أ» كشف النقاب عن حصول عملية قتل موصوفة. هكذا أُعيد استجواب الطبيب الأول، فأكّد أنه كان «مرعوباً» من السجناء الإسلاميين، الذين لن يتورّعوا عن إيذائه. وبعد تأكيد خبر مقتل السجين، حاولت قوة من العناصر الأمنية الدخول إلى السجن، لكن السجناء الإسلاميين منعوا العناصر الأمنية من الدخول إلى جناحهم. هكذا أثبت هؤلاء أنهم وحدهم القيِّمون على الإمارة التي بنوها خارج سلطة الدولة، وإن كانت تابعة لها شكلاً. يشار إلى أن الأمير في سجن رومية سعودي الجنسية، يُدعى مبارك الكربي (مواليد 1978) وملقب ب «أبو الحسن الجزراوي»، وأوقف بتاريخ السادس من سبتمبر 2007، ولايزال قيد المحاكمة، في قضايا إرهاب وتأليف مجموعات مسلحة. وخلال اتصال «الشرق» بمسؤول أمني رفيع، للوقوف على الظروف التي حالت دون دخول القوى الأمنية إلى السجن لجلب المتّهمين، تحدث عن عدم وجود قرار سياسي يوفر الغطاء لهم. وأشار المسؤول المذكور إلى أن الدخول إلى السجن عنوة مكلف جداً، لأنه سيعني سقوط عشرات الضحايا في صفوف السجناء والقوى الأمنية. في موازاة ذلك، حمّل الشيخ سالم الرافعي، رئيس لجنة الدفاع عن الموقوفين الإسلاميين، وأحد أبرز المشايخ السلفيين في طرابلس، الأمريكيين وحزب الله مسؤولية إبقاء الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية دون محاكمة، ورأى أن قرار الإفراج عنهم ليس بيد الحكومة اللبنانية، التي لا يمكنها أن تقرر شيئا بمعزل عن حزب الله، الذي يملك القرار الكبير فيها، لافتا إلى ضغوط خارجية تمارس على الحكومة اللبنانية فيما خص هؤلاء الموقوفين. ورأى أن إبقاء الموقوفين في السجن هو نتيجة توافق رغبة حزب الله مع رغبة الأمريكيين، ذلك لأن الحزب لديه خوف من إطلاق سراحهم، خشية أن يتوجهوا إلى سوريا لقتال النظام فيها، وكذلك يخشى الأمريكيون من أن يتحول هؤلاء الشباب إلى إرهابيين ويقوموا بالتفجير هنا أو هناك. في المقابل، ذكر مصدر في لجنة الموقوفين الإسلاميين في حركة التوحيد الإسلامي، أن قضية الموقوفين الإسلاميين هي قضية مُحقّة، لكنها تتعرض مؤخرا إلى كثيرٍ من الاستغلال السياسي والاستثمار الإعلامي، الذي لا يريد من خلاله المتاجرون إطلاق سراحهم بقدر ما يريدون الظهور الإعلامي والضغط السياسي لتحقيق مكاسب سياسية ولو على حساب حريتهم. تجدر الإشارة إلى أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، حكم على ثمانية موقوفين سجناء في سجن رومية، وسجين غير موقوف، بجرم قتل السجين الفلسطيني غسان القندقلي، مستندا إلى المادة 546 عقوبات، التي تنص على عقوبة الإعدام، وعلى عسكريين بجرم الإهمال في القيام بالوظيفة، وأحالهم إلى قاضي التحقيق العسكري الأول للتحقيق معهم، علما أن أيّاً منهم لم تتمكن القوى الأمنية من سوقه إلى القاضي إلى الآن. وبدأت مفاوضات بين السجناء والقوى الأمنية لتسليم المطلوبين، علماً أنها لم تُسفر عن أي تقدّم يُذكر.