لم أكن أعرفهم قبلاً ولا سمعت عن بلادهم إلا كما أسمع عن جيبوتي، أو الصومال، أو إفريقيا الوسطى، سمر اللون، متحفظون، يسيرون بهدوء، ويتحدثون العربية بطلاقة، يفيضون ثقة، وعندما يغضبون تتدافع كلماتهم ب»الحسانية» فلا تفهم منها شيئاً. وجدت نفسي مدفوعاً للتعرف عليهم، غريب يتحالف مع غرباء لمواجهة «أهل البلاد»، علي ولد رمضان، سيدي أحمد، والشيخ ولد محمد، كانوا الأقرب لي، فخورون بأنهم «شناقطة»، من مدينة عيون الخيل، من بلاد نعرفها أو لا نعرفها باسم موريتانيا. يتقنون قرض الشعر، متبحرون في الفقه المالكي، يتحدثون الفرنسية «دون فخر»، يحفظون آلاف القصائد، ويملكون معلومات لا حصر لها، وباختصار شديد رأيتهم عباقرة. لفتني أنه كما كان بين العرب عباقرة، وواد ينسبون إليه يُدْعَى عبقر، أوجد الشناقطة واديهم الخاص ودعوه «النابغية»، وفيما كان وادي العرب يتولى أمره الجن، فإن نابغية الشناقطة يتولى أمرها شيوخ دين لتخريج نوابغ هذا الشعب. تعلقت بهم بشغف حقيقي، كيف لا تتعلق بشاب أرسله أهله وهو في الخامسة من عمره مع قافلة جمال لتجوب الصحراء فعاد بعد عامين وقد اتقن النحو والصرف وحفظ القرآن وتعلم الفقه، ثم دخل المدرسة! في أي قرن يعيش هؤلاء، كنت أتساءل أحياناً، لأجد عند نقاشهم أنهم يعيشون هذا العصر أكثر مني. تفرقت بنا السبل طبعاً، فكلنا كنا غرباء، تركنا البلاد التي جمعتنا، ليصبح الشيخ ولد محمد سليل «زوايا الشمس» رئيس تحرير، وعلي ولد رمضان ابن «ولد اللاب» يطارد حلم الهجرة، أما سيدي ولد أحمد ابن أشجع قبائل شنقيط «ولد السباع» فقد شارك في مسابقة من سيربح المليون مع جورج قرداحي، وفاز (بطبيعة الحال) بالجائزة الكبرى وهي مليون ريال سعودي، ثم اختفى ولم أعرف عنه شيئاً.