سعود سيف الجعيد بعد مسيرة طويلة حافلة بالعطاء والتوهج والنجومية قدم خلالها محمد عبده أجمل العطاءات الفنية، فغنى للوطن فأبدع وغنى للحب فأمتع. غنى وحلق بنا في عالم الخيال وجعل الكلمات تتراقص فرِحة مسرورة بهذا الصوت الشجي. إنه فنان العرب محمد عبده، الذي كان أول من غنى للوطن وجميعنا يتذكر أغنيته المشهورة «تعالَ معايه»، ومن بعدها استمر في الإبداع والتألق حتى وصل بالأغنية السعودية إلى العالمية، وكثيرون لا يعرفون أنه أيضاً أول من غنى للمنتخب السعودي من خلال أغنية «قوموا أوقفوا حيوا معانا المنتخب»، فنان أعطى وقدم الجهد والفن الأصيل في زمن الأغاني الهابطة. فنان لا نستطيع أن نقول عنه سوى إنه ثروة وطنية تستحق التكريم وتجب المحافظة عليه. وأنا هنا أتذكر أننا ونحن أطفال كنا نستمع إلى أغنيات هذا الفنان العملاق الذي استطاع أن يرتقي بنا معه إلى عالم الإبداع والاستمتاع بالمفردة الغنائية التي كان يرددها، فكنا نحفظ هذه الكلمات ونرددها. فلقد أسهم في تعليمنا وتثقيفنا، وهو الأستاذ الذي لم يبخل علينا في توصيل الكلمة العربية الصادقة إلى أسماعنا. فلقد تعلمنا منه كثيراً واستفدنا من تراثه اللغوي المميز. فهو أستاذ من الدرجة الأولى، ولعلي أتذكر أيضاً أننا كنا نردد بعضاً من كلمات أغانيه ونحن لا نعرف معناها إلا عندما كبرنا. فلقد أسهم في نضجنا الفكري قبل الأوان. هذا هو الأستاذ محمد عبده ونحن التلاميذ الذين درسنا في مدرسته الفنية الشاملة فاستفدنا وتعلمنا ورسم في مخيلتنا صوراً شعرية رائعة تغنينا بها في أفراحنا وأحزاننا. فلقد كانت الكلمات تخرج من حنجرته الذهبية بكل وضوح وعذوبة لتسحرنا وتجعلنا نستمتع بالفن الراقي والأداء المبهر. فله منا الشكر والتقدير، وليبقى شامخاً متصدراً مغرداً خارج السرب. حاولوا منافسته فخسروا الرهان. حاولوا محاربته فرد عليهم بالإبداع. حاولوا إسقاطه فارتفع فوق هام السحب. عاش متواضعاً خلوقاً، أحبه الجميع بجنون لأنه أحبهم ولم يقدم لهم إلا الفن الراقي. قدم لنا الفن الأصيل في أبهى صوره. دائماً متجددٌ في ألحانه، يقف لساعات طويلة مترنماً بأحلى الألحان، شامخاً بزيه الوطني، متمسكاً بأصالته وبوطنيته، حتى توّج ذلك الجهد بلقب فنان العرب، وكثيراً ما كان يتجاوز عن أخطاء الحاقدين والفاشلين الذين لايزالون يتخبطون في دوّامة الأغاني المكررة والباهتة. أخذ بيد من حاربوه وغنى معهم في المناسبات العامة لعلهم يتعلمون الفن على أصوله. ومد يد التسامح والحب للجميع، وهذه هي صفات الأساتذة الكبار فقط. بعد كل ما قدم هذا الفنان المبدع أتمنى أن يتم تكريمه في أقرب فرصة، لأنه يستحق ذلك عطفاً على كل ما قدم للأغنية السعودية من إبداع وانتشار وتميز. وقفة: مهما يقولون مهما صار مهما تم أنت البدايات وآخر ساحل وميناء