ذكرت، في المقال السابق لهذا، أنني سألخص ملاحظاتي عن الخدمة البريدية الحالية لدينا في أربع نقاط: الرسوم التي رفعت فجأة، خدمة «واصل»، العنوان البريدي، مكاتب البريد. وقد تحدثت -بمنتهى الإيجاز- عن النقاط الثلاث الأولى، وفى هذا الأسبوع نتطرق إلى النقطة الرابعة والأخيرة. رابعاً: مقرات ومكاتب البريد: لابد أن تنتشر هذه المكاتب في أغلب الأحياء السكنية في كل مدينة كبرى. إذ يلاحظ أن هناك نقصاً حاداً في «عدد» مكاتب البريد، وفى «صناديق» البريد المتاحة للاستئجار. دخل أحد أصدقائي مكتباً للبريد، طالباً استئجار صندوق بريد له فيه، بعد أن انتقل إلى منزل قريب من ذاك المكتب، فأخبره المشرف على المكتب أن عليه أن يتقدم بالطلب، وينتظر ما لايقل عن أربع سنوات، حتى يأتي دوره، ويتحقق طلبه…؟! وقال له بالحرف الواحد: « ما لدينا من صناديق لا تكفى هذا الشارع الذي نقع على أحد الأزقة المؤدية إليه». وأضرب على ذلك النقص مثلاً آخر، من شمال جدة. معروف أن مدينة جدة تمتد من «ميدان التحلية» باتجاه الشمال ما لا يقل عن 18 كيلومتراً، حتى حدود «أبحر» الجنوبية. وهذه المنطقة تكتظ بالسكان والأسواق والمتاجر والمؤسسات الخاصة. ومع ذلك، لا يوجد بها إلا مكتبان صغيران للبريد يخدمان هذه المنطقة… مكتب «الخالدية»، ومكتب حي «النزهة». وأستحلفكم بالله أن تلقوا نظرة على مكتب النزهة هذا. بما أن هذا المكتب يشرف على خدمة المنطقة التي بها منزلي، فقد قررت أن أذهب لهذا المكتب، وأبعث منه بعض الرسائل… وبعد جهد جهيد، وصلت إلى ذلك المكتب -وجدته مقفلاً للصلاة- ويا عجب ما رأيت! إنه يقع داخل أحد الأزقة الضيقة غير المعبدة ضمن ورش في المنطقة الصناعية، في مكان يصعب الدخول أو الخروج منه، ولا يوجد متر واحد معبد في الطرق المحيطة به مباشرة. وهو عبارة عما يشبه الكشك الصغير، ومحاط بسيارات خربة وأخرى قيد التصليح. ومن شدة استغرابي، سارعت بالتقاط صورة له. وأتساءل: كيف يكون هذا مكتب بريد حكومي في المملكة…؟! الشاهد، ينص قرار مجلس الوزراء بشأن عمل البريد، رقم 78، وتاريخ 29/ 3/ 1423ه في مادته الثانية/ الفقرة 3 على ما يلي: «تقوم المؤسسة بتطوير أساليب حديثة لقبول البريد وجمعه ومعالجته، ونقله وتوزيعه، بما يضمن وصوله إلى المرسل إليهم، خلال فترة معقولة، ووفقاً للمعايير الدولية المتعارف عليها». لذلك، نريد من مؤسسة البريد القيام بما تتضمنه هذه المادة من نظامها. ولا بأس في رفع تكاليف الخدمة. المهم أن تتوفر هذه الخدمة لمن يحتاجها، وبمضمون سليم، وأن لا يقصر البريد في القيام بمهامه الأساسية، مراعاة لحقوق ومصالح المواطنين والمقيمين. فكثيراً ما تعطلت مصالح مهمة لأناس عديدين، نتيجة فقدان، أو عدم وصول رسالة من فئة «10 جرام» إلى المرسلة إليه. ولا شك أن تحول جهاز البريد إلى مؤسسة عامة، قد أدى إلى تحسن في الأداء، وتطوير جوانب عدة في هذا الجهاز. من ذلك: رفع رواتب ومستحقات العاملين بالبريد، وتعميم الميكنة في هذه الخدمة. ولكن -وبصراحة- لم نر، حتى الآن، تحسناً ملموساً في الواجب الأساسى للخدمة البريدية، وهو: توصيل الرسائل والبعائث إلى المرسلة إليهم بدقة وانتظام. ويشهد الله، إننى لم أكتب هذه المقالات تحاملاً على أحد. إذ تربطني بكثير من منسوبي هذا الجهاز معرفة وصداقة أثمنها، وأحرص عليها. ولكنني كتبت ما ذكر من منطلق رغبة صادقة ومخلصة -بإذن الله- في تحسن وتطور كل الأجهزة الحكومية لدينا، ومنها مؤسسة البريد، والتي أعتقد أن تحسن خدماتها سينعكس بالإيجاب على قطاعات شتى. وإن لدى -بالطبع- ملاحظات أكثر حدة وخطورة من هذه التي ألاحظها على البريد… تجاه معظم الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية. ولعل أكثر ملاحظاتي حدة ومرارة هي على الرعاية الصحية لدينا، وما تعانى منه من ضعف مزمن في أغلب جوانبها. ولعلى أتمكن لاحقاً من الكتابة عن بعض تلك الملاحظات، إن سمحت ظروفي، وإن تيقنت بوجود فائدة مما سأكتب. والله الموفق.