القطيف – خاتون الفرج عشِق الشعر والخطابة وعمل مدرساً للمكفوفين وُلد علي عبدالكريم الفرج «73 عاماً» مبصراً، وكُف بصره وهو في الثالثة من عمره إثر إصابته بمرض «الجدري». يقول بعد تنهيدة «لا تُنال الفوائد الجميلة إلا بارتكاب الشدائد الوبيلة، فقد فقدت بصري قبل اثنين وستين عاماً نتيجة حادثتين، الأولى إصابتي بمرض الجدري، والثانية بسببي، حين أردت رمي العصا خلفي، ولكني أصبت عيني». حياة هادئة ولم يجزع الحاج علي من عماه يوماً، بل كان يرى الدنيا جميلة بعيون قلبه، ويضيف «كم كانت الحياة هادئة وجميلة قديماً، فبساطتها وعفوية أهلها تُنسي الإنسان ما قد يواجهه من صعوبات في حياته، فضلاً عن الطبيعة الخضراء، التي استشعرتها عبر استنشاقي النسيم العليل، بعكس الحياة اليوم، واختناقها برائحة الأدخنة، وكم كنت استلذُّ بطعم الإفطار البسيط من يد أمي، المكون غالباً من قطعة خبز وكأس حليب، فيما كان أغلب غذائنا سمكاً، خاصة وأن والدي صياد ماهر، رحمه الله». لم أفقد الأمل وأضاف الحاج علي «بعد أن كف بصري فقدت كل شيء، دراجتي الصغيرة واللعب مع أقراني، والركض في النخيل، ولكنني لم أفقد الأمل، فطلبت من والدي أن أتعلم في الكتاتيب، وبدوره أخذني إلى (معَلمة) تُدعى أم محمد، حفظت في دارها أربعة أجزاء من القرآن الكريم، ثم انتقلت لمعلم آخر من مدينة القديح يدعى (الملا علي توفيق) رحمه الله، حفظت عنده عشرة أجزاء، ثم إلى مدرس آخر وهو الذي علمني الخطابة وأجزاء جديدة من المصحف الشريف وكذلك الشعر». شعره وشجونه واتخذ الحاج علي من الشعر وسيلة لبث شجونه، والتغني بالماضي الجميل، حيث يقول في أبيات من تأليفه: أذكر الماضي الجميل يوم كنا في النخيل أذكر الماضي اللي مر الفرش خوص الخضر ونستظل تحت الشجر والهواء طيب عليل من الصبح نأكل تمر خنيزي يقوّي الظهر ونشرب القهوة البكر ونشكر الله على القليل ربي خذ بيد الشباب للهداية والصواب وارزقه حسن المآب أنت ساقي السلسبيل عملت مدرساً وأضاف الحاج علي «بعد أن فُتح معهد النور للمكفوفين في القطيف عام 1387ه توجهت إليه أنا وزميلاي محمد عبدالله الصيرفي وعبدالجليل سلمان الفرج للدراسة، وتعلمت فيه لمدة ست سنوات كاملة، ثم تخرجت بامتياز في عام 1393ه، وتوظفت في العام ذاته بعد شهر من تخرجي بفضل الله، خاصة مع الحاجة لمعلمين في هذا المعهد بالذات، واستمر تدريسي العملي فيه ست عشرة سنة، واستمتعت بكل دقيقة، فقد تخرج طلابي بتفوق، ثم تحوّل التعليم من عملي إلى نظري، فدرست الكتابة والقراءة والأناشيد والقرآن الكريم والفقه والتوحيد، إلى أن جاء الأمر السامي بتقاعدنا على أن نُعطى رواتبنا كاملة. زوجتي عيني وبيّن الحاج علي أنه تزوج من ابنه عمته في عمر ال22 عاماً، وأنجب الأولاد والبنات، يقول «زوجتي هي عيناي وبناتي قلبي وأولادي ساعداي، حُرمت من بصري بأمر من ربي، لكنه منَّ عليَّ بنعمة البصيرة، فقد كان يستعان بي للترافع في بعض قضايا المحاكم، وقد جُبت أراضي الرياض والأحساء وحدي ولم أواجه أي تعب؛ فحدسي لم يخُني يوماً».