الرياض – محمد العوني سلطان السعدي: لا أريد أن أكون أقلَّ من أصدقائي. فاطمة الخلف: تكلفني غيرة أبنائي أربعة آلاف ريال سنوياً. أبو أحمد: لا أريد أن يحس أبنائي بأنهم أقل ولا أن يندبوا حظهم. حنان العوض: أبنائي يغارون وألبِّي طلباتهم بناء على ما يملكه أولاد الجيران. توصف غيرة الأبناء بأنها مشاعر إنسانية طبيعية، ولكنها في الواقع تؤثر على أساليب التربية لدى الآباء، كما تستنزف جيوبهم، حيث يشتكي كثير من الآباء من وقوعهم بين «فكَّي كماشة» بسبب غيرة أبنائهم وكثرة مطالبهم بدعوى أن أولاد فلان لديهم ونحن ليس لدينا! كما أن بعض الأبناء يحبون التباهي في المناسبات الاجتماعية أمام أقرانهم، مما يضطر آباءهم لإبعادهم عن تلك المناسبات؛ كي لا تزيد الطلبات التي تضاعفت مع ظهور أجهزة الاتصالات والتسلية والتواصل الحديثة، كالآيباد والآيبود والآيفون..إلخ. وهي مكلفة وغالية الثمن حتى على الأسر الميسورة، فضلاً عن محدودي الدخل. «الشرق» تناولت الملف بأبعاده النفسية والتربوية، وانعكاسات هذه الغيرة على الأبوين من جهة، وعلى الأبناء من جهة أخرى، ولمعرفة الأثر التربوي على الأبناء في مقتبل حياتهم. تحدٍّ في المباهاة سلطان السعدي في البداية يقول الفتى «سلطان السعدي»: لا أريد أن أكون أقل من أصدقائي، أود أن أبيَّن لهم أنني أستطيع شراء آيباد أو أي جهاز حديث، وكثيراً ما يكون بيننا التحدي: من يشتري أحدث جهاز جوال أولاً؟! وتفيد «حنان العوض» أن أبناءها يغارون مما في أيدي أبناء أقربائها وجيرانها، وأنها تُضطر في أحيان كثيرة – وحسب ظروفها المادية – إلى تلبية طلباتهم بناءً على أن أولاد فلان لديهم ونحن ليس لدينا، وتضيف: قد يثير هذا الأمر الأنانية لدى الطفل، وربما يكون الحل بالنقاش مع الأبناء وعدم الاستجابة الدائمة لمطالبهم. لا ننفذ كل طلباتهم وترى «فاطمة الخلف» أنه من الطبيعي أن يغار الأبناء من مقتنيات غيرهم وأقرانهم، وأنها حالة معنوية في الغالب. وأبانت أنّ هذه الغيرة تكلفها ما يقارب أربعة آلاف ريال سنوياً، وتضيف: يجب ألا ننفذ كل ما يطلبه منا الطفل، وألا نعوده الحصول على ما يريده بسهولة دون معرفة قيمة هذا الشيء وكيفية المحافظة عليه. لن أحسسهم بالدونيَّة «أبو أحمد» وهو أب لثلاثة أبناء يقول: لا أريد أن يحس أبنائي بأنهم أقل من غيرهم، ولا أن يندبوا حظهم أن أباهم ليس ميسور الحال. ويضيف: تستنزف غيرة الأبناء والبنات جيبي، وكثيراً ما أتسلف من أجل رسم الابتسامة على محيَّاهم، خصوصاً مع ظهور الأجهزة الحديثة؛ فكل واحد منهم يريد «آيبود أو آيباد» وهذا يعني أن كل واحد من أبنائي يريد الحصول على نصف مرتبي وحده!. مستوى الإدراك شجاع القحطاني ويقول «شجاع القحطاني» اختصاصي اجتماعي – إنّ المستوى الإدراكي وفهم أبعاد الأمور بالنسبة للأطفال والمراهقين غالباً ما تكون سطحية وقليلة، وأغلب الأطفال والمراهقين يرون أن آباءهم قادرون على فعل كل شيء، وقادرون على أن يجلبوا لهم كل شيء أسوةً بزملائهم وأقرانهم في المدرسة أو أقربائهم، دون أن يدركوا أن قدرات الآباء متفاوتة، ولها سقف معين وحدود لا يمكن أن يتجاوزوها بحكم الفوارق المادية والظروف المعيشية ما بين أسرة وأخرى وشخص وآخر. أسلوب التفاهم وأضاف شجاع: أن سوء الفهم وعدم الإدراك لدى الأبناء يحتاج من الآباء إلى جسر للتواصل، أو حلقة تكون متصلة مابين الأبناء والآباء في إيصال هذه الفكرة للأبناء بطريقة فيها نوع من الود والمحبة؛ لمحاولة تحقيق رغباتهم ولكن بطريقة فيها نوع من عدم الإضرار بميزانية ومستقبل الأسرة، فمتى ما وصل الآباء إلى مرحلة يمكن من خلالها التفاهم مع الأبناء وإيضاح الأمور؛ يكون لدى الأبناء عادة التقبل وفهم معطيات الأمور؛ فالأبناء حينما يصلون لهذه المرحلة سوف يتجاوبون مع الآباء، وبالعكس ربما يساعدونهم في أسلوب المعيشة وأسلوب الحياة. ضروريات وكماليات وأشار شجاع إلى أنه يمكن تقسيم احتياجات الأبناء إلى ضروريات وكماليات، وبالتالي يجب على الآباء مساعدة الأبناء في تحقيق احتياجاتهم الضرورية أكثر من الكماليات، بمعنى أنه لو كان الابن بحاجة إلى طعام أو لباس فيجب على الآباء، إذا استطاعوا ذلك، تلبية هذه الطلبات، أما إذا كانت هذه الرغبات مجرد كماليات كأن يكون لديه جوَّال ويرغب في أحدث منه، أو كمبيوتر محمول ويرغب في آخر جديد، من باب متابعة الموديل أو الموضة أو التشبه بالأقران؛ هنا يجب أن يكون للآباء وقفة حزم وتفاهم مع الأبناء بأن الأمور الكمالية تخضع لمستوى المعيشة ولمستوى الرفاهية، ولا تخضع لمسؤولية الاحتياجات الضرورية كما هو الحال في الملبس والمأكل والمسكن والمشرب. مشكلات نفسية وسلوكية د.عصام الطيب ويقول الدكتور عصام على الطيب، أستاذ علم النفس التربوى المساعد بجامعة جازان، وجامعة جنوبالوادي بمصر: الغيرة عند الأطفال تمثل أحد المشاعر الإنسانية الطبيعة التى تساعد على المنافسة الشريفة بينهم، ولكن إذا زادت عن حدها تؤدى إلى كثير من المشكلات النفسية والسلوكية للطفل، وهى ما تسمى ب «الغيرة المرضية»، وهي شعور مؤلم يظهر فى حالات كثيرة مثل ميلاد طفل جديد للأسرة، أو شعور الطفل بخيبة أمل فى الحصول على رغباته ونجاح طفل آخر فى الحصول على تلك الرغبات، أو الشعور بالنقص الناتج عن الإخفاق والفشل. أسباب الغيرة وأضاف د.عصام، أن من أسباب الغيرة عند الأطفال التفريق في المعاملة بين الأطفال، والمقارنة بينهم من قِبَل الوالدين أو المعلمين، وضعف ثقة الطفل بنفسه، وشعوره بالنقص، وإحساسه بأنه منبوذ وغير مرغوب داخل الأسرة أو المدرسة، وكذلك العقاب الجسدى من قِبَل الوالدين أو المعلمين للطفل عندما يتعامل بصورة غير جيدة مع أخيه الصغير أو زميله بالمدرسة، وجهل الوالدين بأساليب المعاملة السوية مع الأبناء والمشاحنات والصراعات بين الوالدين، وخاصة فى وجود الأطفال، مما ينعكس بالضرورة بصورة سلبية على نموهم النفسى. الآثار السلبية وأكد د.عصام، أنّ الغيرة الزائدة بين الأطفال «غيرة المرضية» تؤدي إلى مجموعة من السلوكيات، منها: السلوك العدوانى نحو الطفل الآخر الذى يغير منه، أو نحو الممتلكات الشخصية، أو نحو الوالدين، كذلك التقلب المزاجى والارتباك، وعدم الرضا عما يقدمه له الوالدان من هدايا، إضافة إلى الأنانية وحب الذات والتملك والانطواء، والغضب من نفسه ومن إخوانه الذين تمكنوا من تحقيق أهدافهم التى لم يستطع هو تحقيقها، والتخريب للممتلكات الشخصية أو العامة، واللجوء إلى بعض الحيل النفسية الدفاعية، مثل: التبول اللاإرادي أو مص الأصابع، أو قضم الأظافر، وهذا يمثل ارتداداً لمرحلة سابقة من النمو، وهو ما يسمى «النكوص»، وذلك بغرض لفت انتباه الوالدين له، ثم الحصول على بعض العناية والاهتمام منهم، والقلق بسبب عدم حصوله على شئ ما يريده، وقد يصحب الغيرة كثير من المظاهر الأخرى كالثورة أو التشهير أو المضايقة أو العناد والعصيان، وقد يصاحبها مظاهر تشبه تلك التى تصحب انفعال الغضب فى حالة كبته، كاللامبالاة أو الشعور بالخجل، أو شدة الحساسية، أو الإحساس بالعجز، أو فقد الشهيَّة، أو فقد الرغبة فى الكلام. معالجة آثار الغيرة وللتخلص من الآثار السلبية للغيرة، يقول الدكتور عصام، لابد من التعرف على أسباب الغيرة عند الطفل وعلاجها منذ البداية، واستثمار الغيرة بين الأبناء في توليد المنافسة الإيجابية الشريفة بروح رياضية تجاه الآخرين للوصول إلى الأفضل، مع تنمية ثقة الابن في نفسه، وتخفيف حدة الشعور بالنقص أو العجز عنده، وكذلك إقامة العلاقات بين الابن وأقرانه على أساس المساواة والعدل دون تمييز أو تفضيل على أساس النوع أو السن أو الذكاء، وتعويد الابن على تقبل التفوق والهزيمة، بحيث يعمل على تحقيق النجاح ببذل الجهد المناسب دون غيرة من تفوق الآخرين عليه، وتعليمه أن الحياة أخذ وعطاء منذ الصغر، وضرورة احترم حقوق الآخرين، وإشعاره بقيمته ومكانته فى الأسرة والمدرسة وبين الأقران. التأنيب والتوبيخ وأشار دكتور عصام إلى أنه لابد من تحاشي التأنيب أو التوبيخ أو العقاب للطفل عند ظهور مشاعر الغيرة؛ لأن ذلك قد يزيد المسألة تعقيداً، وكذلك المساواة في التعامل بين الذكور والإناث؛ لأن التفرقة تثير الغيرة وتؤدي إلى الشعور بكراهية البنات للجنس الآخر في المستقبل، وعدم المقارنة بين الأبناء على مختلف قدراتهم وميولهم وأعمارهم، ومراعاة حاجات كل منهم بما يتناسب وطبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها، والحنان والعطف من الوالدين نحو الأبناء يقلل من سلوك الغيرة بينهما، وكذلك إشعار الأم للطفل بأنه كبير، وأنّ اهتمامها بالصغير لعجزه وعدم مقدرته على إنجاز حاجاته الضرورية، مع توجيه الوالدين لطفلهما بالمشاركة مع إخوته أو أصدقائه فى اللعب بأدواتة وألعابه وعدم الانفراد بها، وتعويد الأبناء على تقبل مدح المعلم لأحد الطلبة دون بقيتهم، كما يجب على الآباء الضبط والحزم فيما يتعلق بمشاعر الغيرة لدى الطفل، فلا يجوز إظهار القلق والاهتمام الزائد بتلك المشاعر، كما أنه لا ينبغى إغفال الطفل الذي لا ينفعل ولا تظهر عليه مشاعر الغيرة مطلقاً.