الأطفال لا يعرفون الكذب ودوما يصدّقون ما يقال لهم. أما الكبار فتلمح عدم التصديق في عيونهم لأنهم دوما متورطون في الكذب. الكذب مع الأسف أصبح متفشياً بين الناس فالمتحدث والمتلقي يكذبان. ضغوط الحياة تمثل قوى خارجة عن الإنسان تمنع العفوية فيعيش الازدواجية لأن الكل يكذب على الكل. تسمع أحدهم يحكي وتلمح الفرحة في عينه وهو يمجد نفسه بالكذب الزائف إلى أن يصاب يوما بنوبة احتقار لذاته. ما موقف الأطفال لو عرفوا أن الكبار يكذبون؟ هل سيضطرون للكذب علينا وعلى بعضهم؟ يوما ما سيكتشفون أن كل مواعظنا عن الصدق والأمانة وكثير من القيم المجردة هي كلمات جوفاء لا تطبق. ويستمرئ الكبار الكذب إلى أن ينهار عالم الأطفال الداخلي النقي القائم على الثقة. مع الأسف رغم اهتمامنا الكبير بالدين وإغراقنا في الحلال والحرام وما يجوز وما لايجوز، كثيرا ما يستهان بالكذب بطريقة مخزية ومرعبة. الكذب العادي في المواعيد والكلام أصبح فلسفة. نحن لانقدر الخراب الفظيع الذي يتركه النفاق والازدواجية في حياة أطفالنا. قد يضطر الطفل للكذب حين يحاصر بالأسئلة التي تقارن علاماته بعلامات أصحابه. نظرة الوالدين الباردة التي تقيم الطفل تؤلمه بشدة ولا يملك الدفاع عن نفسه إلا بالكذب. السبابة الموجهة بالاتهام له تجلده وتحوله من خائف إلى كاذب يدافع عن نفسه. الكبير الواعي سيحزن لأنه حول الطفل إلى شخص كاذب. لو لم يشعر الطفل بالثقة فإننا سنشجعه ليكون أكثر براعة في ابتكار صور للكذب. حينما يكبر سيعيش مراهقته ونظرات الأهل تشبه أشعة سينية تخترق قلبه وعقله وجسده. المجتمع هو الذي يجعله كاذبا رغم أنفه حتى في مشاعره. يكبر الكذب معه ويصبح بالغا مسؤولا. سيعيش الزيف الأسري فتكذب الزوجة في عواطفها لتستمر مع زوجها ويكذب هو ليحقق الأمان الزائف.