تتسع رقعة المظاهرات في العراق، وتنتشر في مختلف المدن والمحافظات، وأصبحت تثمل تياراً واسعاً ضد طريقة إدارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للعراق، وانضم إليها ممثلون عن عشائر الجنوب الشيعية، التي زار ممثلون عنها نظراءهم السنة في الأنبار، كما أعلن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تأييده لها، واعتبر أن مطالبها محقة، وعلى الرغم من كل هذا مازال أنصار المالكي يروِّجون أن المظاهرات ذات أهداف طائفية، وأنها تريد تقسيم البلاد. وهذه بطبيعة الحال القشة الأخيرة التي سيتعلق بها المالكي وحزبه وحكومته، بعد أن ثبت فشلهم الذريع في إدارة البلاد، والوقوف في وجه الفساد فيها، والحفاظ على استقلالية وحرية قرارها. ولعل لجوء المالكي إلى الورقة الطائفية ليلقي بها في وجه المتظاهرين توضِّح العقلية الضيقة التي يدير بها العراق، والتي لم تخرج حتى الآن من هذه الطائفية المترسِّخة لديه. فالعراق الذي يعد من أغنى الدول بالنفط في العالم مازال يغادره أبناؤه إلى بلاد المنفى، والفقر والبطالة تضرب شرائح واسعة من العراقيين، ومازال يعاني من أزمة كهرباء مزمنة، ومن أزمة وقود لا تنتهي، والفساد يأكل كل شيء فيه، حتى جيش البلاد الذي ثبت أن الصفقة الأخيرة التي عقدت لتسليحه مع روسيا كانت غارقة في العمولات والسمسرة. ويمارس المالكي في كل محطة تواجهه اتهاماته للآخرين بالطائفية والارتباطات بأجندات خارجية، ومن ثم يبدأ بالتهديد والوعيد لكل من يتجرأ على الوقوف بوجهه، حتى لو كانت قطاعات واسعة من الشعب العراقي، متسلحاً بسيطرته على السلطة التنفيذية بشكل شبه مطلق، ومواظباً على اتهام خصومه السياسيين بالإرهاب، وكان واضحاً في البيان الذي صدر عن مكتبه أمس الأول كيف لوَّح للمتظاهرين بالتهديد، محذِّراً من وجود مخططات إرهابية تستهدفهم، واعتبر مراقبون أن هذا البيان هو بمثابة إنذار للمتظاهرين، خاصة أن كثيراً من العراقيين يعتبرون أي تحذير من المالكي هو بمثابة تهديد، ومن ثمَّ تنفيذه عبر أدواته الخفية والمخابراتية، لم يتعامل المالكي مع أي تظاهرات شعبية على أساس مطالبها؛ إنما ينظر إليها على أنها تهديد له ولموقعه، دون أن يفصل بين منصب رئيس الوزراء وشخصه، ويصرُّ في كل مواجهة على نفس اللغة الإقصائية التي دأب على استخدامها تجاه الخصوم، ونسي أنه كان أحد المعارضين لنظام الإقصاء الذي مارسه النظام السابق. المالكي يستمر في اللعب على التناقضات الطائفية، لكن هذه التظاهرات ومواقف القوى السياسية أكدت أنها ستستمر في نزع هذا السلاح منه، وتسير بالعراق نحو دولة القانون والمواطنة.